أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: مَهَّد الأستاذ (حسين معلوم) لمشروعية القومية بثلاثة مداخل سماها نِقاطاً هي: تأكيدُ أنَّ القومية وصفٌ للعلاقة التي تجمع الناس في مجتمعهم القومي (الأُمَّة)، وتأكيد أنَّ القومية هي لفظةٌ محدثةٌ جاءت نتيجة للترجمة عن اللغة الإنكليزية؛ إذ تمَّت ترجمة كلمة NATION (ناسيون) إلى أُمَّة؛ ولكنْ عند ترجمةِ NATIONAL (ناسيونال): وُجِدَ أنَّ المقابل العربي لها هو أمي؛ ولأنَّ الأَخيرةَ تُشير في أهمِّ مدلولاتِها الشائعة إلى الجهل: فقد اشتقت كلمة قومي من قوم؛ لِتقابل كلمة National كما اشتقت كلمة قومية لِتقابل كلمة (ناسيونا ليسزم) [قال أبو عبدالرحمن: قوله إنَّ مقابل كلمة National هو أمَمِيِّ نسبة إلى أمة Nation: فيه نظر؛ لأنَّ المقابل الحقيقي هو أممي على غير قياس؛ ولكن الترجمة الصحيحة هي قومي نِسبةً إلى قومك؛ وعُدِل عن أممي؛ لِأنَّ مادة (قوم) أيسر تصريفاً من (أُمم).. على أنَّ هناك من يقول إلى هذا اليوم: (أممي وأممية)، والله أعلم.. عن الدكتور البقاعي حفظه الله].. وتأكيد أنَّ نتيجة النقطتين السابقتين: إنما تَتَمثَّل في أنَّ القومية تختلف في دلالتها عن العنصرية والعصبية اللتين تشير إليها كلمات أخرى مثل عِرقي وقَبَلي.
قال أبو عبدالرحمن: القوم في لغة العرب بدلالةٍ مجازية تُطْلَق على جماعة تربطهم رابطةٍ ما سواء أكانت دينية، أم وطنية، أم عرقية؛ ووجه المجاز: أنه يقومُ بعضُهم على بعض؛ فهم أوصياأُ متوالون متناصرون، ثم غلب في لغة العرب مجازٌ أخصُّ؛ وهو إطلاقُ القوم على قبيلة الرجل، بل على أقربائه الأدْنين؛ وهي في كل معانيها، إذا أُطْلِقَتْ على جماعةٍ ما: لا تحمل مضموناً معيارياً في نفسِه؛ بل هي شَرْحُ واقعِ بأنَّ هذا من هؤلاء؛ فهم قومه؛ وإنَّما القيمةُ المعياريةُ لِـما يتعلق به السلوك القومي؛ فمن نزع عن سيئات قومه، وتعامل معهم بالنصيحة، والتغيير وَفْق درجاتِ تغييرِ المنكر، ولم يقطع حقَّ القربى بالشرط الإسلامي: فذلك فضيلةٌ واجبة؛ ومن ظاهَر قومَه على الباطل: فذلك رذِيلةٌ محرَّمة.. ومن المعنى المجازي الذي أسلفته لا تأبى لُغتُنا العربيةُ أنْ يكون مصطلح القومية الحادث يعني الجنسَ من الناسِ بدلالةِ اللغةِ العربية، لا بدلالة لفظِ مترجم؛ فالقومية في المصطلح بمعني الجنس العربي.. إلا أنَّ مصطلح القومية العربية أُسْقِطَ عليه اعتباراتٌ ليست من مُعْطَى اللغة؛ وهذه طبيعة أكثر المصطلحات، وكان المصطلح غيرَ مُوَحَّدِ المفهومِ منذ بَلْوَرَرَهُ مُصْطَلَحاً (ساطعُ الحصري)؛ وكان يطبِّـقُهُ (جمال عبدالناصر) إلى أنْ إنْحَرَفَ به (ميشيل عفلق)، و(أدونيس) وأمثالُـهم؛ فكان يعني العرب لغةً ووطناً لا عِرقاً؛ وكان يجعل المفهوم عقيدةً مشتقةً من السلوك العربي منذ جاهليته، ويجعل تاريخَ العرب مراحل متجددة؛ فكان الرسول صلى الله عليه وسلم عند البعثيّْيِيْنَ قبحهم اللهِ: زعيماً عربياً جاء بالإسلام من عنده على أنه مرحلة.. وجاء (أدونيس)؛ وهو أَقْبَحُ قبيحٍ على وجه الأرض؛ فاستبقى من التاريخ الإسلامي ما يليق بالقومية العربية في الجاهلية، وأضافَ إليها حضارة شعوب شرقية بمفهوم (عرب) اللغوي لا بالمفهومِ العِرقي؛ فيدخل (حمورابي)، و(بعل).. إلخ، في مفهوم العرب القوم.. وعادة هؤلاء تمجيدُ الجاهليةِ الأولى مع أنهم أَبْعَدُ الناسِ عن السامية ودعك من العروبة؛ وَقَدْ كَذَّبوا ربهم بألسنتِهم ومقالاتِهم؛ ولا قُدْرَةَ لهم على تكذيب رَبِّهم واقِعاً عليهم لعائِنُ الله تترى؛ وموعِدُهم يومَ تَلْتَفُ الساقُ بالساق، ولا مَهْرَبَ لهم عن عذاب الله الدائمُ يوم النشورِ وإلى الأبد.
قال أبو عبدالرحمن: معياريةُ القومية العربية في دينِنا أنْ يعرفَ المسلمُ للعربِيِّ المسلمِ فضلَه، ويحبه محبةً للرسول العربي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولِلُّغةِ التي هي بيانٌ للدين العالمي الناسخ المهيمن، ومحبةً للعرب المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم؛ وهم الذين نشروا الدين، وأَكْسَبُوا الرقعةَ هُوِيَّةَ العروبة.. وأنْ يكون ولاأُه لله سبحانه وتعالى؛ ثم للتركة العربية المسلمة رُقْعَة، وتاريخاً، ولغة وديانة.. وللإمامِ (ابن تيمية) رحمه الله تعالى كلامٌ نفيسٌ عن حقِّ العرب المسلمين في كتابه (اقتضاأُ الصراطِ المستقيم)؛ وإلى لقاء في السبت القادم إنْ شاء الله تعالى, والله المُستعانُ.