رمضان جريدي العنزي
الحياة ليست كلها ماركة مختومة بالشمع الأحمر، ولا كهفاً عتيقاً مظلماً، ولا باباً حديدياً مغلقاً، ولا سياجاً عالياً وطويلاً، ولا كلها تدليس ودسائس وخيانة ومخادعة، ولا مخاتلات معرفية فيها قدر كبير من الزيف والانحطاط، ولا فلسفة مبهمة لا تفقه، وليست تنظيرات باهتة، ولا كلها أصوات ناعقة، أو خبث يتلبس جلباب اللؤم، ولا وسيلة غش وخداع، ولا ستارة رمادية، أو صندوقا أسود، ولا وجعاً، أو رسماَ حزيناً على جدران الأمكنة، ولا أسطورة كاذبة، أو خيال واهم، أو ملحمة خاسرة، أو خرافة ظلام، ولا صدأ يعطل عمل المفتاح، ولا كلها أمراض وأحزان وأوبئة، وتقلبات فصول، وتبدلات مناخ، ولا غباراَ متصاعداَ، ولا عذاباَ ولا إرهاق، ولا تأجيج أو احتراق أو تلظي، ولا الكآبة فيها تفح فحاً، مثل ثعبان أو ريح، ولا هي جليداً متكوناً فوق جبال نائية، ولا هي لغة تعسف، أو علاقة عابرة، ليست كلها ثعالب وأفراس نهر وضباع، ولا هي أحراش وأدغال، ولا سموم وأدخنة، ولا سراب في مرمى الابتغاء، ولا رحيل متواصل بالترحال، ليست عواصف أو زوابع أو زحف رمال، ولا كلها تنافر وتباعد وتضاد، ولا مجهولاَ متخم بالمجهول، ولا عواء ذئاب، أو أنياب تماسيح، ولا الناس كلهم فيها يتهارشون كما تتهارش السباع، ويتغلبون على بعضهم بالمكر والخديعة والنوايا الخبيثة، ولا التجارة فيها كلها كسبها غير مشروع، ولا دوائر الماء والممرات فيها كلها ضيقة، ولا كل علاقات الناس ببعضهم بغيضة، ولا أخلاقهم كلها رذيلة، ولا تمنطقهم كله مغلوط، ولا كلهم لصوص ليل، ولا كلهم يجيدون لبس الأقنعة، ولا كلهم يمارسون التناقضات، أنها الحياة، فيها الكثير من الحسن والجمال والألق والبياض، مثل غيمة مثقلة بالحمل، يكبر جنينها ويتمدد، فيهطل المطر على جهات متعددة، تهتز الأرض عندها وتربو، وتنبت من كل شيء بهيج، بحار ومحيطات، وشمس تتسلل من الذوائب، خيوط مطر، وأماكن فاتنة فاخرة وزاهية، تين وزيتون ونخلة باسقة، وأرض مفروشة بالخضرة المزدحمة بالسكينة، وروعة ليل مغرق برائحة الخوخ والرمان، شفق حالم، وغسق فاتن، وسنابل قمح تطرز الجبال والسهول والوديان بذهب يسبق سبائك الشمس وألقها ورقصات توهجها، زهر لوز يكسو الأرض بياضاَ وعذرية أبدية، تسربات ضياء تمزق عتمة الليل البهيم، صباحات ندية لها خصوصية الضباب والبخار والضياء، ومساءات متأنقة من قمر يطل بخجل على مخادع الحالمين، انبعاثات أمل، مزودة ببصر وبصيرة، الحياة بهيةثل شمس أنجبت الضياء، عالم مخلوط بألوان السحر والخيال، فراشات ملونة، وبساتين ضوء، يفرش السامرون عباءاتهم تحت جنح النسيم، ليحكوا لبعضهم روايات الرحيل، هي الحياة حدائق من رحاب، يجود بها الزرع والضرع، كثيفة كالصنوبر، أنيقة كطائر، بهية كقصيدة حب، وبواكير حقول، ولحن براري عجيب، هي الحياة، ليست كلها عاطلة، أو خائبة، أو قاسية، لكنها عقل ولون وخطى ولغة وإثبات وتحدي، والناس فيها أنواع، هيئاتهم مختلفة، وأعمالهم متفاوتة.