سعود عبدالعزيز الجنيدل
يستخدم اللغويون مصطلحات تدل على الكلمات التي أخذت من لغات أخرى، ومن تلك المصطلحات: المعرّب - المولّد - الدخيل، ويقسم اللغويون هذه المصطلحات، ويضعون تعريفات خاصة بها.
وسأستخدم في هذه المقالة مصطلح الدخيل؛ وأعني به كل ما دخل إلى اللغة العربية من شتى اللغات المختلفة.
إن التقارض بين اللغات من الظواهر اللغوية المعروفة التي تعم جميع اللغات، فاللغات تأخذ من جاراتها، ومن اللغات التي تتصل بها لمختلف الأغراض؛ كالتجارة، والسياسة، والسياحة، ما تحتاج إليه من كلمات، وتغيرها لتوافق نظامَها الصوتي، وبناءها الصرفي، وقد تغيّر في معناها.
والتقارض من عوامل تثرية اللغة في مفرداتها، ومن ثم قيل: إن نقاء اللغة لدليل على فقرها» A pure language is a poor language».
لم تشذ اللغة العربية عن مثيلاتها، فأخذت وأعطت؛ غير أنها زهدت في الأخذ وأجزلت في العطاء. ويُسمى ما دخل في اللغة العربية من لغات أخرى دخيلاً، ولكل عصر دخيله، فكان معظم الدخيل في العصر الجاهلي من اللغات الفارسية، والسريانية، واليونانية، وفي بعض العصور الإسلامية كثرت الكلمات الدخيلة من اللغتين التركية والفارسية، أما في عصرنا الحاضر، فجاء أكثر دخيله من اللغات الأوربية، كالإنجليزية (إنترنت - سندوتش) والفرنسية (كورنيش - أرشيف -سيرك) والإيطالية (برافو - فاتورة)، والتركية (بصمة - بدروم - طاقم).
وهنا يطفو على السطح بعض الإشكاليات:
الإشكالية الأولى: حدود استخدام الدخيل إعلامياً
هل الشيوع عامل مهم يعتد به في اللغة الإعلامية؟
إذا كان المصطلح الدخيل له مقابل شائع في العربية، أي المصطلحين نستخدم؟ مثل: التقنية - التكنولوجيا - كمبيوتر - حاسوب - إيميل - بريد - هاشتاق - وسم- ميكروفون - مكبر الصوت - أيقونة - صورة أو علامة - تلسكوب - منظار.
إذا كان المقابل العربي ليس شائعاً، ماذا نفعل؟ مثل فاكس - ناسوخ.
الإشكالية الثانية: الرسم الإملائي
كثير من الكلمات الدخيلة لم يستقر إملاؤها، فتكتب بصور عدة، وأكثر ما يقع فيه الاختلاف إثباتُ أحرف العلة أو حذفُها نحو: أوربا/ أوروبا. سنما/ سينما. سوفييتي/ سوفياتي. فلم/ فيلم. باليستي/ بالستي. مليشيا/ ميليشيا- أكسِجين - أكسيجين - أوكسجين.
وأيضاً من تلك الصور الكلمات المبدوءة بهمزة، مثل: إستراتيجية - إستديو - إسطبل- إستاد، هل تكتب بهمزة قطع أو وصل؟ وقد تكتب الكلمة تارة بهمزة فوق ( أ)، وتارة بهمزة تحت ( إ)، مثل: أفريقيا - إفريقيا - إفريقيّة « المعجم الوسيط: إحدى قارات الدنيا السبع- المعجم الكبير- أبريل «المعجم الكبير= الأصل لاتيني - معجم الدخيل في اللغة العربية الحديثة- إبريل» المعجم الوسيط= الشهر الرابع من الشهور الميلادية - إسبانيا - أسبانيا - أنفلونزا - إنفلونزا
وكذلك من الإشكاليات، وجود أسماء أعجمية مبدوءة بألف ولام، مثل: ألزهايمر، بفتح الهمزة، وسكون اللام والزاي، وكسر الميم: وهو مرض يصيب المخ، يتميز بموت خلايا العصب في قشرة الدماغ، منسوب إلى طبيب الأعصاب الألماني: ألتسهايمر، فالألف واللام من بناء الكلمة، وليستا أداة تعريف، فمثلها مثل: ألفريد نوبل.
الإشكالية الثالثة: معاملة المصطلح الدخيل لغوياً
هل يطبق على المصطلح الدخيل القواعد العربية، فيكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً بناءً على السياق الذي ورد فيه؟ أم يكون ممنوعاً من الصرف على الإطلاق.
وفي الحقيقة هناك أمثلة لمصطلحات دخيلة مستخدمة كثيراً في الإعلام، رصدت بعضها: التليفون - الباص- الكمبيوتر- الدسك - الفيزا -الإنترنت -إلكتروني- أوبرا-.
وفي المجال الرياضي هناك مصطلحات كثيرة تستخدم «بلنتي بفتحتين، وقع في الكلمة الدخيلة قلب مكاني، إذ أصله « penalty « وتعني ضربة الجزاء، «قول»، goal - « offside - foul - corner.
وكذلك هناك كلمات وضعت لمحاولة مقابلة الكلمات الأعجمية، ولكنها لم تلق رواجاً، وماتت، ولم تعد تستخدم إعلامياً، مثل: «الرائي - التلفزيون - الناسوخ - الفاكس- وبدرجة أقل كلمة» الكمبيوتر المحمول - اللابتوب.
ويرى بعض المختصين أن تكتب كلمات مثل: دكتوراة - دكتوراه: بالضم أعلى شهادة جامعية، بالهاء، والأفضل أن تعرّب إعراباً كاملاً، فتجعل بالتاء، علماً أن صيغتها الإنجليزية بالتاء، وفي الفرنسية بالتاء، ولكنها لا تنطق (doctorate- doctorat-).
كما أني رصدت كلمات دخيلة مستخدمة في الإعلام، مثل: رزنامة: بالضم تقويم على شكل أوراق صغيرة تحتوي كل ورقة على تاريخ يوم واحد، وقد يكون على شكل كتاب. فارسي « روزنامه» وهو مركب من «روز» بمعنى اليوم، و»نامه» بمعنى الكتاب.
وأتمتة - أنسنة - على وزن فعللة: تحويل العمل من بشري إلى آلي كجعل الصرف عن طريق الصراف الآلي.
وفي المقابل هناك كلمات شائعة إعلامياً، ولا أعرف لها مقابلاً شائعاً بالعربية:
Transit –buffet – tsunami –téléférique-
وأختم بذكر مصطلح عشنا وتعايشنا معه قبل أسابيع، مصطلح حاولنا فيه التملّص من المأزِق اللفظي، ولكننا وقعنا في مأزِق الهُوية، «هذا المصطلح هو «black Friday»، وهو يصادف الجمعة الأولى بعد عيد الشكر عند الغرب «في شهر نوفمبر»، وهنا أتوقف عنده لأبرز بعض الملحوظات:
* ترجم عندنا لـ الجمعة البيضاء - الجمعة الصفراء.
* يستغله التجار للإعلان عن خصومات كبرى
* غريب عنا وعن تقاليدنا
* كيف نستطيع تربية النشء على ذلك؟
* هل كان بالإمكان - أو حتى مستقبلاً- عمل هذا اليوم الذي يشتمل على خصومات كبيرة، في يوم جمعة وربطه مع مناسباتنا الدينية مثلاً: الجمعة التي تسبق رمضان- الجمعة التي تسبق العيد، وتسمى جمعة البركة - جمعة الخير.
هذه بعض الإشكاليات التي أراها تطفو على السطح إعلامياً، سلطت الضوء على بعضها لعلها تجد صدى عند المختصين، وبالنسبة لي فإنّ نصفي لغوي والنصف الآخر إعلامي، لهذا السبب سأكون محايداً في انتظار سماع ما عند المختصين اللغويين والإعلاميين.