د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الرحالة ابن بطوطة أشهر من أن يُعرف، فهو قاض وعالم ورحاله، حفظ لنا وللتاريخ العالمي الكثير من المعلومات التي أصبحت مرجعاً مهماً للمهتمين بالجغرافيا والتاريخ والأدب والسياسة، وهو في رحلته تلك وصل إلى ما وراء النهر حتى حطت رحاله بالصين، والصينيون حتى يومنا هذا يحفظون له وداً، لأنه نقل لهم الكثير من معلومات بلدهم في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي، كما حفظ للمغرب والمشرق وغيرها من البلدان.
وابن بطوطة، في الكتاب الذي أنجزه، كاتب السلطان واسمه ابن جزى بأمر من السلطان قد أتمه في نحو ثلاثة أشهر، فكان هذا نعمه من الله على الأجيال اللاحقة، ويبدو أن ابن بطوطة، لا يكتفي بحفظ ما أملاه على ابن جزي، بل كان يسجل الكثير من المعلومات والوقائع، ويضيف إليها انطباعاته بأسلوب لا يستخدم فيه تجريح مفرط، وربما أن خلفيته العلمية، والدينية، وعمله في الفضاء، جعله يتجنب بعض الكلمات غير اللائقة، وهذا ما لا تجده في بعض من معاصريه مثل الوزير ابن الخطيب، وقد يكون للتربية النفسية، أو الوظيفة العلمية دور في ذلك.
ابن بطوطة، أو كاتب الكتاب ابن جزي فيه شيء من الاستشهاد بالشعر والأمثال، وأسلوبه بسيط، مع ما يقتضيه حال الكتاب من ذكر مواقع وأسماء أعجمية، يصعب ترويضها إلى اللغة العربية، وفي نظري أن ذلك التحقيق الذي أنجزه الأستاذ عبدالهادي التازي -رحمه الله- والهوامش والاستشهاد والشرح الذي طرحه يعتبر من أفضل التحقيقات، وكل المجهودات المتداولة من المحققين مفيدة، ونظراً لما ذكره ابن بطوطة في رحلته عن الصين وما قام به الأستاذ عبدالهادي فقد كان الصينيون يهتمون بالأستاذ عبدالهادي كثيراً حتى وفاته - رحمه الله- وكانت سفراته إلى الصين لا تقل عن سفرتين في العام، وظل يسافر إلى الصين وغيرها، وعمره فوق التسعين عاماً حتى توفاه الله.
يذكر ابن بطوطة أنه قد التقى بابن تيمية ورآه يخطب على المنبر، ونقل عنه شيئاً، يرى البعض أنه غير صحيح، وهناك من يرى أن ما ذكره عن ابن تيمية زيادة من بن جزي أو غيره.
أما ليون الإفريقي، أو الأسد الإفريقي، أو يوحنا ليون الإفريقي، فهو الحسن بن محمد الوزان الغرناطي الفاسي، سار على خطى ابن بطوطة، وقد عاشت أسرته في غرناطة، وولد فيها، ولا يعرف تاريخ ميلاده بدقة، فهناك من يقوم عام 1488م، ومن يقول 1492م، لكن من المؤكد أن أسرته كانت من الأسر الغرناطية المعروفة، وبعد سقوط غرناطة على يد الملكين الكاثوليكيين فرناندو ويزبلا، عام 1492م غادرت الأسرة غرناطة متوجه إلى فاس، وهناك أصبح والده قريب من السلطان، ودرس في جامعة القرويين بفاس، وذهب مع عمه إلى كمبكتو بمالي الحالية في سفارة السلطان المغربي، وهناك اطلع على الكثير من الكتب والمخطوطات، وترسخت في ذاكرته معلومات كثيرة عن البلاد وعلمائها، وثراء ملكها، والعيش الرغيد الذي يعيش فيه أهلها، وبعد ذلك سافر إلى تونس، وبلاد السودان ومصر والحجاز ويبدو أنه وصل إلى الشام وما وراءها مروراً بجزيرة العرب، وفي طريق عودته وقع في أسر القراصنة الصقليين، ووجدوا أنه بحر من العلوم، فأخذوه هدية للبابا، ومن حسن طالعه أن البابا ليون العاشر كان محباً للعلم والثقافة، مقرّباً للعلماء وأصحاب الفكر، فأعلى مقامه، ومنحه اسمه، وبعد ذلك دعاه إلى النصرانية فتنصَّر حتى يستطيع أن يواصل الدرس واكتساب المعارف، وتكلَّم اللاتينية، والإيطالية، بالإضافة إلى الإسبانية والعربية، وأصبح مدرساً للغة العربية، ومترجماً لكثير من علوم العرب إلى اللغة الإيطالية.
كان اهتمامه بالجغرافيا اهتماماً فائقاً، فبدأ بتأليف كتابه وصف إفريقيا، وقد كتبه بالعربية، ثم تمت ترجمته إلى الإيطالية، وقد فقدت النسخة العربية، وترجمت النسخة الإيطالية إلى عدة لغات، ومن ثم تمت ترجمتها من الإنجليزية إلى العربية، وما زالت النسخة العربية مفقودة.
لقد وصف إفريقيا بدقة متناهية، وذكر عاداتهم، ومأكلهم ومشربهم، وأسلوب حياتهم لكن الإضافة الكبيرة كانت في وصفه للنباتات وأنواعها، والطيور والحيوانات، وذكر الأمراض التي تحل بهم، كما ذكر عاداتهم وما هو محمود منها وما هو مذموم.
لعل الفارق بين الرجلين، أن ليون الإفريقي قد اكتفى بوصف إفريقيا، وذكر ذلك صراحة، وكان بودنا أنه أيضاً أضاف شيئاً عن آسيا، لاسيما أنه مر بوسط جزيرة العرب، فخسرنا بذلك وصفاً يمكن أن يكون مفيداً لوسط الجزيرة وغيرها من الشرق حتى آخر أرض وطأها.
لقد كان ينوي أن يصف أوروبا، والجزء الذي زاره من آسيا، لكنه بعد أن هاجر إلى تونس، قد يكون كتب شيئاً عن آسيا وأروبا، وربما يكون هناك نسخة عربية من كتابه وصف إفريقيا، في تونس أو المغرب، فإنه بعد أن توفي البابا ليون العاشر، وحل محلّه آخر لا يقرِّب العلماء، كما أن شارلكان الفرنسي قد هجم على روما، وتغيَّرت الأحوال، فهاجر إلى تونس، وعاد إلى الإسلام، وهناك انقطعت أخباره، ولا أحد يعرف عنه شيئاً، لكنه يظل عالماً وموسوعة من المعلومات استفاد منها الأجيال اللاحقة.