أ.د.عثمان بن صالح العامر
بعيداً عن جدلية الفكر حيال ثنائية (الروح والجسد) أو ثلاثية (الروح والعقل والجسد) أو رباعية (الروح والنفس والعقل والجسد)، ودون الدخول في دهاليز الفلسفة، وتقليب صفحات كتب علم النفس، يمكن بكل بساطة ووضوح تقرير أن المرض النفسي التي يتسربل به الواحد منا -كالحزن مثلاً- ولا يفضي به لأحد يثق فيه (وهو كظيم)، سيتولد عنه غالباً مرض عضوي في الجسد كحال يعقوب عليه السلام بعد فقد ولده يوسف عليه السلام، وكذا العكس فالأمراض الجسدية قد تولد أمراضاً نفسية يصعب علاجها. ومتى صاحب المرض العضوي هزيمة نفسية فسيصعب علاجه ويتعاظم أمره -لا سمح الله-، ولذلك فالفصل بين مكونات الإنسان هو في حقيقته مجرد فصل شكلي، إذ إن هذه التراكيب التي خلق الله منها هذا المخلوق تراكيب متداخلة متشابكة يؤثر كل منها في الآخر بطريقة لطيفة ودقيقة قد لا يفطن لها البعض منا للأسف الشديد، فيركز على الجسد دون التفات للبعد النفسي وكذا العكس.
يذكر لي أحد الأصدقاء أنه تعرض لحادث أثر في جسده فذهب لألمانيا من أجل العلاج، وحين قابل الاستشاري المختص المشهور الذي جاء له خصيصاً وبتوصية مسبقة، بعد أن أجرى له فريق التمريض في المستشفى جميع الفحوصات السريرية الأولية المعروفة من أجل التشخيص، وكتب تقريره التفصيلي عن الحالة، طلب منه هذا الدكتور المعروف عالمياً أن يحكي له حكاية ما جرى منذ البداية وحتى وصوله لهذه الحال التي هو عليها، وبعد أن سرد له تفاصيل قصته، سأله عن أخذه جلسات نفسية بعد هذا الحادث، وكان الجواب بالنفي، الأمر الذي جعل هذا الاستشاري يعتذر عن علاجه حتى يحصل على تقرير نفسي من طبيب مختص يثبت له فيه تقبله لإجراء العملية ومساعدته الفريق الطبي لإنجاحها، وذلك لإيمانه الجازم بالارتباط الشديد بين نوعي هذا العلاج (السريري الإكلينيكي والنفسي الباطني) إضافة للعلاج الطبيعي في فترة النقاهة.
هناك غياب وعي لدى شريحة من المجتمع في البعد الحقيقي لأثر الوضع النفسي الذي يكون عليه الإنسان في تقبل الصدمات، وتجاوز الأزمات، والتسريع في الشفاء إن كان هذا الإنسان مريضاً أصلاً، ولو عاد الواحد منا للقرآن والسنّة لوجد أن النصوص كلها تؤكد وجوب التفاؤل مهما ادلهمت الخطوب وكثرت الكروب .. تؤكد في ذات الوقت أهمية قيمة الصبر والاحتساب حين تكون أقدار الله المؤلمة .. تؤكد وجوب التوكل الحقيقي على الله -عزّ وجلّ- والتسليم عندما يقع القدر وهذا كله يصب في النهاية في خانة تحقق الصحة النفسية التي بها قدرة وعزيمة وإصرار الإنسان في هذه الدنيا -متلاطمة الأمواج تقبلنا بين مد وجزر- على مواجهة أزمات الحياة وظروفها وأحداثها مهما كانت صعبة بعون من الله ومدد، فهو وحده من بيده النفع والضر وعنده سبحانه وتعالى الشفاء والدواء لأدواء القلوب وأسقام الأجساد.. فاللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال.. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.