د. خيرية السقاف
هذا وقت العالم في خليط مواسمه..
والآن مع المطر، والغبار، والفيضانات، والوقود المشتعل..
مع مغازل الصوف على نبض المصانع، ورائحة الأرغفة في حرقة اللهب، وحموة الأفران..
مع الماء يشح بتجمده، والسحب تومئ بالإيحاءات، مع الركض، والضجيج..
حيث ارتفاع عدد السكان، وتكدس المهاجرين، وشتات التائهين..
حيث براح موحش، وحيث ضيق يخنق..
حيث تلتف سيقان أشجار لا تصل إليها فؤوس الحطابين، وحيث آثار الزواحف، ومنثور الطيور النافقة عطشا، وبقايا عظام ضحايا الافتراس، حيث صهاريج الماء المحلى من البحور، والشلالات المنهمرة من جبال تتوحد بعزلتها، حيث صناديق الاقتراع، وحيث أضابير قوائم المحاصيل، وحيث عوائد المكاسب، والخسارات..
إنه الوقت أيضا لمخيلة وادعة تلقط صدى القطرة من مزاريب بيوت آيلة للسقوط، وأكواخ بالكاد تحمي بين شقوقها العراة، لعجلة تبرم بأفكار من مثل: كيف ينتشي الاقتصاد، وتزداد رؤوس الأموال، وينقرض الفقر، وتموت السَّكين، وتتبخر الأمية، وينتشي الشاعر، ويستيقظ المفكر، وتسيل جداول أبجدية الطمأنينة لعروق القلق لتسودَ جغرافيا الأرض، وليتم لضم حبات لؤلؤ السِّلْـم، وليؤخذ بالابتكار من قاع الكمون لملمَس الثرى..
تقلبات مناخية..
تارة بردٌ صاعق تقزقز به الأسنان..
وأخرى قيظ باهظ يلهث معه المرء للتبريد المصنَّع..
دوي الأجهزة كمكنة الاقتصاد تلف بعقل العالم، وكمخيلة آهلة بالأحلام، أو كالمرض يوقظ السُّلامات في الجسد..
واللغة تتسع باستعاراتها لتوليد أضخم الأجهزة لنهضة استثمارات المال في الفضاءات الصاخبة بحركة ترسانة محتوى الوقت..
المطر لا يغسل كل شيء، والغبار لا يأتي بكل شيء، والشلالات في انهمار جبال الثلوج لا تغرق اللغة، فالعالم في موسم برد تصطك به جوانح المفردات، لكن لا يستسلم سانحة لها لتفنيه..
اللغة تدوم، والإنسان يبقى..
والمواسم لا تتأخر عن مواعيدها..