د. محمد بن إبراهيم الملحم
أشرت في حديثي السابق عن مؤشرات الأداء KPIs إلى أن ما هو متوافر لدينا حاليًا في هذا السياق هو مؤشرات الأداء الخاصة بالإشراف التربوي والتي تسمى «منظومة مؤشرات قيادة الأداء الإشرافي والمدرسي» وقد اطلعت على الإصدارين 3 لعام 1436 و6 لعام 1439 وبالإضافة إلى أني من فترة لأخرى أسمع الزملاء هنا وهناك يتحدثون بشأنها فقد ناقشت بشيء من التفصيل مع بعض المشرفين التربويين عنها (رجال ونساء) لمزيد من الفهم والاستيعاب حولها من خلال الميدان ووجدتها كما ذكرت لكم في مقالتي السابقة منهجًا إشرافيًا جديدًا استخدم مؤشرات الأداء KPIs كأدوات «رقابية» لضمان تحقيق العمل، والواقع أن أي تدخل جديد في العمل الإشرافي لا بد أن يكون له فائدته فالتغيير بحد ذاته نافع لجسد أي كيان، ولكن عند تقييم العملية التعليمية عمومًا فإن هذا المنهج الجديد (مع نفعه) يظل أثره محدودًا لعدة أسباب سأذكرها ولكن أشرح أولاً للقارئ غير المختص ما هي هذه «المنظومة» أو المؤشرات.
الإدارة العامة للإشراف التربوي رغبت قبل نحو ست سنوات أن تحرك الراكد فلجأت إلى تأليف كم هائل من النماذج امتلأت بالبيانات التي تستخرج من واقع الميدان لتعكس كم العمل الذي يقوم به المشرف التربوي وقائد المدرسة من زيارات وورش عمل ولقاءات واجتماعات ونتائج اختبارات وهذه الأرقام تدون بشكل يومي أو شبه يومي في نظام أونلاين (وفي البدايات كانت يدويًا وفي نماذج إلكترونية منقولة) والواقع أن هذا لا يختلف عمّا كان يعمل سابقًا حيث كان المشرف مطالب بتقديم تقرير في نهاية السنة يدون فيه إحصاءات بجميع أنشطته وتدوينات نوعية عنها ولكن الجديد هنا هو أن هذا التقرير أصبح آنيًا وليس في نهاية السنة وذلك بالاستفادة من تقنيات المعلومات (السي دي في السابق ثم الإيميل وحاليًا برنامج أونلاين تسجل فيه النتائج مباشرة) وهذا الأمر طالب به فريق العمل المختص بدراسة تقارير المشرفين السنوية الذي عمل عام 1420 تقريبًا وكنت من أعضائه وانتهى بعدة توصيات أهمها تطبيق استراتيجيات التدريس (بطريقة غير التي تم تنفيذها في السنوات الأخيرة) وتحويل تقارير الإشراف التربوي إلى إلكترونية وهو ما تم فعلاً حينها وتطور تسلسليًا حتى خرجت فكرة هذه المنظومة حيث تجمع المؤشرات وترسل بتسلسل لإدارة الإشراف في المنطقة التعليمية ثم في الوزارة وهذا ينتج مؤشرات الأداء الأخيرة KPIs لدى الوزارة.
هناك أيضًا علامة فارقة أخرى، هي أن جميع الأنشطة تم تنميطها بشكل موحد في هذه المنظومة فبدلاً من أن يحدد المشرف خطته بناء على الاحتياجات التي يعرفها عن المعلمين فقد تم تحديد عدد محدد من كل نشاط عليه أن يلتزم به (زيارات - ورش عمل - لقاءات الخ) وهذا الأمر نزع صفة القيادة المسؤولة عن المشرف وألبسه سيكولوجيا نفس عباءة المعلم تقريبًا وهو يعد نقلة تاريخية (سلبية) ذات أثر في تاريخ الإشراف التربوي، وهنا تتمثل ممارسة استخدام الـKPIs كأدوات رقابية على عمل المشرف التربوي... وإني أدرك أن هذا نتيجة إحباطات متوالية بسبب عدد من المشرفين المقصرين في تنظيم كم مقبول من الأنشطة، ولكني لو كنت مكان من يحمل هذا الإحباط فلن يصيبني البتة إذا تذكرت أني لم أُعدّهم أصلاً إعدادًا متميزًا أندم على إهدارهم له وعدم استثمارهم لقدرات عظيمة يملكونها، بل إن الاختيار يكاد يبنى اليوم على أساس من يرغب لا من يتميز بالكفاءة، في التسعينات كان عدد مميز من المعلمين المتميزين نتوسل إليهم أن يقبلوا العمل في الإشراف التربوي والسبب أنهم لا يجدون فيه متعة ولا مكسبًا، (وكذلك مدير المدرسة بالمناسبة) فما بالك بالأمر اليوم بعد أكثر من عقد من الزمان! وهل يا ترى حقًا أصبح يقبل على هذا المجال (والمجالات القيادية الأخرى) من يرغب حب الظهور فقط؟ لن أقول نعم فليست لدي دراسة، ولكني أيضًا أجد صعوبة كبيرة في أن أجزم بـ»لا» وهنا المشكلة. وللحديث بقية.