د. أحمد الفراج
يتواصل التصعيد بين ترمب وخصومه، بعد إعلانه حالة الطوارئ الوطنية، وكنت قد تساءلت في المقال الماضي عمَّا إن كانت قضية بناء الجدار مهمة لهذه الدرجة، أم أنها تدخل في باب المناكفات الحزبية والإيدولوجية بين المحافظين، الذين يمثّلهم ترمب، واليسار الذي يمثّله الديمقراطيون، فمن يتابع الحراك السياسي في أمريكا منذ فوز ترمب، يعلم أن هناك انحيازاً صارخاً ضده، لا تخطئه عين المتابع المحايد، ولأنه يعلم ذلك، ويستند على شعبية جارفة، بلغت حوالي ثلاثة وتسعين في المائة من الجمهوريين، كرقم قياسي، فهو لم يستسلم، ولم يتقبل فكرة الخضوع لسطوة إعلام أمريكا المتوحش، وبالتالي يقابل هذا الانحياز من خصومه ومن الإعلام بسلوكيات استفزازية، وتحد لا يقدر عليه أي زعيم، وهذا بالطبع يزيد من حالة الانحياز والتوحش ضده!
تذكر التقارير أن تهريب المخدرات، وهو أحد أهم مبررات ترمب لبناء الجدار، يأتي عن طريق المنافذ الحدودية مع المكسيك، أي يتم إخفاؤه بطرق احترافية في السيارات التي تدخل إلى أمريكا بطريقة نظامية، كما تشير ذات التقارير إلى أن هناك تناقصاً في أعداد المتسلّلين من المكسيك، ولا شك أن ترمب يعرف هذه المعلومات، ولكنه يصر على بناء الجدار، لدرجة أنه أعلن حالة الطوارئ، فهو قد وعد ناخبيه، وليس مستعداً أن يخسر ثقة جمهوره الضخم، إذ لديه استحقاق الانتخابات الرئاسية خلال أقل من عامين، وهو سبق أن نفذ الكثير من وعوده الانتخابية، على عكس معظم من سبقه من الرؤساء، الذين تتبخّر معظم وعودهم، بمجرد دخولهم عتبة البيت الأبيض، مثل الرئيس بوش الأب، ووعده بعدم زيادة الضرائب، وهو الوعد الذي أصبح مجال تندر، إذ لم يتطرق له بعد أن فاز بالرئاسة!
وما يؤجج عناد ترمب، وبالتالي استمراره في استفزاز خصومه إلى أقصى حد ممكن، مثل إعلان حالة الطوارئ الوطنية، هو أنه يؤمن إيماناً قاطعاً بأن اتهامه بالتورّط في التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية، واختيار خصمه الشرس، روبرت مولر، تحديداً للتحقيق في هذه القضية، وإطالة أمد التحقيق، كل ذلك يهدف إلى التشويش عليه، وإعاقة مشاريعه، وحتى عزله إن أمكن، ولا شك أن ذلك جعله يتجاوز كل الحدود المقبولة من زعيم العالم الحر، سواء تعلّق الأمر ببعض قراراته وتصريحاته، أو بهجومه الشرس على خصومه من خلال حسابه على تويتر، وسبق له أن استفز خصومه قبل ذلك، فقد رفض أن يشجب بلغة صريحة، بعض السلوكيات العنصرية، التي صدرت من بعض أنصاره، رغم أن موقعه كرئيس لكل الأمريكيين يحتم عليه ذلك، وسننتظر نتائج الاعتراضات على إعلان حالة الطوارئ وبناء الجدار، فالتحدي كبير، سواء من الديمقراطيين في الكونجرس، أو في المحاكم الفيدرالية، أو من بعض الولايات، التي تعترض بشدة على بناء الجدار!