فادي محمد الدحدوح
يستمر التنافس والتسابق بين مؤسسات التعليم العالي على مدار مسيرتها التعليمية، وتأخذ فيه مساعي هذه المؤسسات نحو المقدمة صوراً وأشكالاً متنوّعة تبرز في جهود تعزيز البحث العلمي، من خلال إثراء البيئة التعليمية بالتقنيات والمنهجيات المتقدّمة، وتعزيز قدرات الطلبة والخريجين، فيما أكّد المدير الإقليمي لمؤسسة «كواكواريلي سيموندز» (QS) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، آشوين فرنانديز، أن تقرير عام 2019، الصادر عن المؤسسة، ارتقى بمعايير التصنيف السنوي لأفضل الجامعات في العالم إلى مستويات أعلى، مشيراً إلى أن التصنيف يستخدم إطاراً منهجياً متّسقاً يعتمد على ستة معايير يتم فيها تقييم أداء الجامعات، فيما لم تصل الجامعات العربية بعد للمستوى المنشود في الريادة.
تختلف وظائف الجامعات تبعاً لاختلاف المجتمعات ونظمها، إلا أن قدرتها على تحقيق أهدافها ورسالتها في بناء وتنمية المجتمعات، تتوقف على مدى قدرتها على أداء وظائفها المختلفة والتي يمكن إجمالها في ثلاث وظائف رئيسية وهي نقل المعرفة من خلال التعليم، وإنتاج المعرفة من خلال البحث العلمي الرصين، وتنمية المجتمع؛ ونجد أن كل وظيفة لا تعبّر عن جهود مستقلة تتم بمعزل عن الوظيفة الأخرى، بل توجد صلة وثيقة وترابط تام بينها.
وتأتي مهمة إنتاج المعرفة من الوظائف الرئيسية للجامعات العربية؛ والعمل على إثراء التراث الإنساني والعلمي والثقافي. ويبدو أن هذه الوظيفة تعزِّز عند مجتمع الطلبة والعاملين في الجامعات سمات عقلنة العلم، وتفعيل المنهجيات العلمية لإيجاد حلول لمختلف المشاكل المجتمعية التي يعاني منها المجتمع العربي، ووضع خطط العمل بناء على تصورات واقعية تأخذ بالاعتبار الأهداف من جهة والإمكانيات والقدرات من جهة أخرى. وفي سبيل تحقيق ذلك؛ فإن قادة الجامعات العصرية تحتاج أن تقوم برفع فاعلية رأس المال البشري عبر الوصول إلى المهارات، والقدرة على التعلّم وتطوير التكنولوجيا.
كما تعد وظيفة التصدي لحاجات التنمية والتغلب على تحدياتها ومعيقاتها داخل المجتمع العربي من أدوار الجامعات العربية الرئيسية في المرحلة القادمة، لا سيما في ضوء تشابك المصالح المجتمعية، وزيادة درجة الضغوط على الموارد والمصادر المتاحة، وعادة تتم هذه المهمة بناء القدرات التنموية، إضافة إلى مقدرة الجامعات العربية في تطوير وعي مجتمعي بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية والتربوية التي يمر بها المجتمع العربي والتي تقف عائقاً أمام التنمية.
وتساعد الجامعات في ربط حاجات المجتمعات العربية في حاجات التنمية من خلال بناء الشراكات التي تجمع الأكاديميين والطلبة والمجتمعات المحلية للتعرّف على أولويات التنمية وتحدياتها، كما أن الجامعات هي عامل فاعل في وضع الخطط التنموية من خلال الدراسات والأبحاث والتصورات النظرية والتجارب العالمية، وربط الأهداف الموضوعة مع القدرات والطاقات الحقيقية التي يمتلكها المجتمع العربي.
ويأتي البحث العلمي ضمن قلب عملية الدور المناط من قبل الجامعات العربية في المرحلة القادمة؛ لأن التعليم العالي صمم بشكل إبداعي لدعم الاكتشافات والتكامل والتطبيق العملي والتدريس في معادلة واحدة تكفل تضافر هذه الوظائف في عمل الجامعات في زمن العولمة. وقد ازدادت أهمية هذا التضافر في هذه المهام في ضوء بروز اقتصاد المعرفة واقتصاد المعلومات واقتصاد الخدمات؛ لأن اقتصاد المعرفة يعني إنتاج المعرفة علمياً وتطبقيها وتطويرها بشكل دائم يضمن الجودة.
وختاماً فإن التعليم أصبح أداة رئيسية للمجتمعات في مضمار التقدّم والتنمية الشاملة التي يتسم بها العالم المعاصر والتسارع المعرفي الشديد، وبات الفرد المتعلّم هو العنصر الفعَّال في النهضة الشاملة للمجتمع، ومن ثم أصبحت عملية التقدم والتنمية تُقاس بما أنجزته المؤسسات التعليمية من تعليم وتثقيف لأبنائها، وما حققته من خطط وبرامج تعليمية تساعدها في النمو الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، وبناءً على ذلك فقد أيقنت كثير من الدول بأهمية التعليم بصفة عامة، والتعليم الجامعي بصفة خاصة، لارتباطه الشديد بعوامل التنمية والتقدّم، لذلك أصبح الإنفاق على الجامعات استثماراً حقيقياً في مجال تنمية الموارد البشرية وجزءاً من سياسة التنمية الشاملة.