م. خالد إبراهيم الحجي
إن شهر رمضان المبارك من أهم المناسبات الدينية والشهور التي تكثر فيها الأعمال الخيرية في الدول العربية خاصة، والمجتمعات الإسلامية عامة، حيث يُجهز أهل الخير ومعظم المساجد موائد إفطار الصائمين بأصناف الطعام المختلفة على نطاق واسع، وهذا دليل على كثرة الأنشطة الخيرية في المجتمع وقوة التكافل الاجتماعي بين المسلمين، ولكن المجتمعات الخليجية على وجه الخصوص تشتهر بكثرة البذخ والإسراف الشديد في مظاهر الطعام والشراب بكميات كبيرة تفوق أضعافًا مضاعفة أعداد المدعويين وحاجتهم في المناسبات العائلية، والاجتماعية الفردية الخاصة، وفي المناسبات الجماعية العامة مثل مناسبات العزاء وحفلات الزواج والأفراح التي تجسد شكلاً من أشكال الترف الزائد والرفاهية الشديدة، وفي نهاية جميع المناسبات السابقة يفيض كميات هائلة من الطعام المتروك، وتخلف قدرًا كبيرًا من الأغذية والحلويات المتنوعة والفواكه المختلفة والمشروبات، وعلى رأسها الأرز واللحوم، ومع الأسف الشديد لا يستفيد منها أحد من الفقراء والمساكين وتنتهي في معظم الأحيان إلى سلات النفايات وحاويات القمامة. ولا شك أن هذ يتناقض مع روح النشاطات الخيرية المحمودة التي تحرص عليها المجتمعات الخليجية وينافي تعاليم الدين الإسلامي ويخالفه، ويجعل أصحابها من المسرفين والمبذرين الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم إخوان الشياطين.
وفي المجتمعات الخليجية معظم المعتدلين من الناس ينتقدون هذه الظاهرة السيئة نقدًا لاذعًا ويستنكرونها، ويرفضونها بشدة، ومع ذلك نجد بعضهم يرتكبها ويكرر حدوثها في مناسباتهم العائلية والاجتماعية الخاصة جريًا مع العادات الثقافية والتقاليد الاجتماعية.. ويخلص التقرير الأخير الصادر عن لجنة الخبراء التابعة للجنة الأمم المتحدة المعنية بالأمن الغذائي العالمي إلى أن الهدر الغذائي يحدث لأسباب عديدة مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم، وبالتالي يجب أن تكون الحلول محلية.
ومن أهم أسباب الهدر الغذائي في المجتمعات الخليجية حب المدح والإطراء والظهور والخوف من النقد الاجتماعي لهم أو وصفهم بالبخل والتقصير، وللحد من ظاهرة الهدر الغذائي هو أن نسعى جاهدين إلى:
(1) نقدها المستمر، وتوضيح مساوئها وبيان أضرارها على الأسرة، وأخطارها على المجتمع، وإشعال التغيير فيه نحو تطبيق أخلاق الدين الإسلامي ومبادئه التي تدعو إلى الاعتدال والاقتصاد والترشيد في كل مجالات الحياة.
(2) تعزيز الأعمال الخيرية عند الناس وإقناعهم بضرورة التبرع بالكميات الفائضة من الأغذية بمختلف أشكالها وأنواعها إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين لسد جوعهم، وبيان أهميته في الترابط والتعاون والتكافل الاجتماعي عن طريق مؤسسات خيرية تستقبل الفائض الغذائي لتوزيعه بالتجزئة على الفقراء والمحتاجين وتوصيله إليهم.. ولا غضاضة أو ضير أن نستفيد من تجارب الدول الغربية التي حققت نجاحًا مشهودًا في الاستفادة من الهدر الغذائي؛ فأنشأت مؤسسات خيرية غير ربحية أطلقت عليها إسم بنوك الطعام التي يخصص لها رؤوس الأموال المناسبة، ومجالس الإدارة، والأعضاء الممثلين من مؤسسات الضمان الاجتماعي للإشراف عليها.
وتعد أشكال الهدر الغذائي المختلفة مصادر الوقود اللازم لتشغيل بنوك الطعام، وهي: فائض الأطعمة من الحفلات الخاصة والعامة والفنادق، أو فائض المواد الغذائية الراكدة في مصانع التغليف والتعليب، وتجار الجملة قبل انتهاء صلاحيتها عندهم بوقت مناسب يسمح باستخدامها، أو المزارع التي بقي عندها فائض من المحاصيل الموسمية نتيجة زيادة العرض على الطلب وكساد الأسواق. وأول بنك أنشئ للطعام تم تأسيسه عام 1976م في أمريكا الذي استفاد حسب الإحصائية الأمريكية من (40) في المائة من جميع الأغذية المنتجة فيها التي كانت تهدر في مَكَب النفايات، ثم تبعتها أستراليا في تطبيق الفكرة، ومع تزايد نسبة التضخم في أسعار المواد الغذائية تبعتهما دول أوروبا في تطبيق الفكرة نفسها بعقدين من الزمن، والحاجة ملحة اليوم إلى انتشارها في باقي أنحاء دول العالم الذي يزيد معدل الجياع فيه عن واحد من كل ثمانية من سكان العالم يذهب إلى النوم وهو يتضور جوعًا كل ليلة.
الخلاصة:
إن الإسراف والتبذير في الطعام والهدر الغذائي تعد إجحافًا بحق الفقراء والمساكين والمحتاجين.