رمضان جريدي العنزي
الشيلات وكمية الهياط واللغو والتناخي الباهت الموجود فيها يعد إفساداً للذائقة ومدخلاً سيئاً لإحياء النعرات القبلية على حساب الوطنية، لا يشك عاقل أبداً بأن بعض الشيلات التي يتداولها الناس، ويسمعون لها، ويتمايلون طرباً لها، والتي سرت بين المجتمع سريان النار بالهشيم، وكأنما هي تعبير فني لا يمكن التعبير عنه إلا من خلالها، تتضمن ضروباً من النعرات القبلية، وإحياءاً لها وفق أساليب ومداخل شتى، هذه النعرات القبلية وتمجيدها تتم على حساب الوطنية والحياة المدنية، والتي يريد البعض وأدها، والنكوص بنا إلى الأزمنة الرمادية الغابرة، لقد أصبحت الشيلات حاضرة في كل المناسبات الاجتماعية المتنوعة، بل أصبحت صوتاً بيناً ظاهراً، أصبح لكل قبيلة شيلة، بل لكل فخذ من هذه القبيلة شيلة، ولكل عائلة شيلة، ولكل فرد بحد ذاته شيلة يمجد فيها نفسه ويرتقي بها وفق كلمات وإيقاعات مدفوعة الثمن مسبقاً، إنني ضد بعض هذه الشيلات وبقوة لأنني أرى بأنها تعود بنا إلى العصبية المقيتة، والتفاخر والتمايز والتنابز والتهامز والإفراط بالتباهي الذي لا يجب أن يكون، وتبعدنا عن المبادئ والأخلاق والقيم والمساواة بين الناس الذي جاء بها ديننا الحنيف وحث عليه وركز، أن تقديس القبيلة والذات ورفع المقام في المناسبات وعلى الفضائيات المخصصة لهذا الشأن تجعل من هذه الشيلات وسيلة للبقاء، العالم بأجمعه يتجه نحو دعم الإنتاج والابتكار والإبداع العلمي والمعرفي، وتشجيع العلم، للتطور والتقدم والرقي، بعيداً عن التقوقع في دائرة رمادية باهتة، وحبس النفس في رواية قد تكون كاذبة ومخالفة للصدق بنسبة عالية حدثت قبل أكثر من خمسمائة سنة، جاعلاً من هذه الرواية حدثاً عظيماً يلوكه لسانه في كل المناسبات والتجمعات، إن التحول نحو الماضي بشكل ملفت، وإهمال المستقبل، يعد أمراً خطيراً وجللاً، خصوصاً أن كان هذا التحول يستهدف الآخرين وينتقص منهم ويهدر شأنهم وقيمهم، علينا أن نستلهم العبر من الماضي التليد بكل تنوعاته وأطيافة، وأن لا ننفخ بالرماد لإحياء النار، وأن نستعيد المفاهيم النقية البيضاء في نفع الوطن وتطوره والرقي به نحو مصاف الدول المتقدمة، وأن نتعاون ونتحاب ونتفاهم بكل تنوعاتنا ومشاربنا ومكوناتنا، يجمعنا حب الوطن والتغني به وبإنجازاته، إن علينا ولكي نرتقي أن نجفف منابع هذه الشيلات التي تدعو للفشخرة الكاذبة، والتباهي الأعرج، ونتجه نحو ترسيخ القيم الإنسانية واللم، والبعد كل البعد عن تضخيم الأنا والقبيلة والمحيط القريب، والتظاهر بما هو غير موجود، إننا اليوم بفضل الله تعالى ثم بفضل قادة هذا البلد المعطاء أصبحنا ننعم بالخيرات الوفيرة، والنعم الكبيرة، ونعيش بالأمن والأمان بعد أن كُنا في الأمس القريب في مجاعة وفقر وترحال دائم وخوف وتوجس وسلب وقتل ودم وسطو ونهب.