خالد بن عبدالكريم الجاسر
السعودية شريك أساسي في التحالف الدولي ضد التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وتقود مجموعة عمل مكافحة تمويله إلى جانب أمريكا وإيطاليا، بل وأقرت ونفذت خلال السنوات الماضية العديد من القوانين والإجراءات التي أشاد بها تقرير التقييم المتبادل حول المملكة، الصادر عن مجموعة العمل المالي «FATF» في سبتمبر 2018 (الهيئة الحكومية الدولية التي تتولى مهمة دراسة التقنيات واتجاهات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وإعداد وتطوير السياسات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب محليًا ودولياً). وبيان مستوى التزام السعودية بتوصيات المجموعة الوقائية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وليس كمثلها دولة قوية ومتينة تعتمد إطاراً قانونياً وإجراءات تنسيقية لتنفيذ العقوبات المالية المُستهدفة التي تفرضها الأمم المتحدة دون تأخير. إضافة إلى تدابيرها اللازمة التي تعمل بشكل وثيق جدًا مع 8 منظمات إقليمية على شاكلة «FATF»، لمكافحة هذه الظواهر على الصعيد العالمي، وتعاونها مع الهيئات الدولية الأخرى المعنية بذلك، فما الذي حدث؟!!.
لقد سبق أن تلقت المملكة دعوة للانضمام بعضويتها في عام 1436هـ، لـ»FATF»، لتصدُرَ موافقة مجلس الوزراء الموقّر على البدء في إجراءات الانضمام إلى المجموعة الدولية التي وجهت الدعوة للمملكة تقديراً منها للمكانة التي تحتلها على المستوى الدولي والإقليمي، وما تُمثله من ثقل إستراتيجي في المنطقة، وتثميناً للجهود والإجراءات التي تقوم بها، إضافة إلى قيامها بالوفاء بالمعايير والمُتطلبات الدولية الصادرة في هذا الشأن، والتزامها بالاتفاقيات الدولية والثنائية والأعراف الدولية المتعلقة بالمجال ذاته، حيث تشغل المملكة منذ شهر يونيو 2015م مقعد عضو مراقب في هذه المجموعة.
ولعل التزام السعودية بمنزلة أولوية إستراتيجية تستمر في تطوير وتحسين أطرها التنظيمية والتشريعية لتحقيق هذا الهدف، ولم يُثنها قرار المفوضية الأوروبية ذات المعايير المرصودة منه، مُخالفاً ما جاء على لسان تقريرها وغيرها، لتنتقدها أميركا بأن تقريرها خلل في طريقة تطويرها، وزيف تقاريرها... ضد مملكة رفع لها العالم قبعته بمقدمة دول الـ20.
ولنُحلل ما استبقت به المفوض الأوروبي لشؤون العدل «فيرا جوروفا»: «علينا أن نتأكد من أن الأموال القذرة من البلدان الأخرى لا تجد طريقها إلى نظامنا المالي لأنها عصب الجريمة المنظمة والإرهاب»... ولنضع خطوطاً تحت كلمة (نتأكد)... حيث سيمُرُّ قرارها لاحقاً بمرحلة التصويت في البرلمان الأوروبي في غضون شهر واحد، قبل أن يكون نافذًا، لتعتمدها في شكل «لائحة مفوَّضة» أي أن قرارها لن يصبح نافذاً إلا بعد عرضه على تصويت البرلمان، لذا حرص معالي وزير المالية محمد الجدعان على توجيه الدعوة لمسؤولي المفوضية الأوروبية وأعضاء البرلمان الأوروبي لزيارة الرياض والاطلاع على الجهود المُستمرة والمبادرات التي تقوم بها المملكة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
والسؤال من عليه تطبق «العناية الواجبة»، فمن «بيته من زجاج لا يرمي غيره بالحجارة»، والكل يشهد بمخاطر الاتحاد الأوربي المالية وخروج بعض الدول منها... فهددت استقرار أنظمتها مالياً وإدارياً بل وسياسياً، لتزداد بشكل كبير في الجسد الأوربي المريض القائم على أموالنا ومواردنا البشرية من المُهاجرين... فتلك ألمانيا وتداعي فرنسا على صفيح السترات الصفراء وتفكُك بريطانيا وخروجها من الاتحاد وأزمة إيرلندا وغيرهم... وهاك رئيس البنك المركزي الأوروبي «جان كلود تريشيه» يُشير إلى أن علامات الإجهاد واضحة في كثير من أسواق السندات الحكومية الأوروبية في حين أن التقلبات الكبيرة في سوق الأسهم تشير إلى أن التوترات انتشرت في أرجاء أسواق رأس المال حول العالم، حيث اضطر البنك السابق في الأشهر القليلة الماضية لاتخاذ إجراءات كان قد توقف عن استعمالها مع تصاعد أزمة الدين السيادي في منطقة اليورو عامي 2008 و2009، وضرورة إنشاء هيئة تنظيمية أوروبية موحدة تعمل على تقليص مخاطر حدوث أزمات في النظام المصرفي، لتفشل في مهامها، والتي قد يكون وراء ذلك القرار هذا التدهور الحاصل.
وقفة: على الرغم من صمود الاتحاد الأوربي أكثر من 15 عاماً حتى الآن، فهناك بعض الخبراء ما زال يشكك ببقاء اليورو ويُحذّر بالتالي من أنه سيكون «مولد المخاطر» في النظام المالي العالمي بدلاً من أن يكون «المساعد» على استقراره.. فهل ستشهد الساحة المزيد من تلك القرارات؟!