فوزية الجار الله
أولى بهذا القلبِ أن يَخْفِقا
وفي ضِرامِ الحُبِّ أنْ يُحرَقا
ما أضْيَعَ اليومَ الذي مَرَّ بي
من غير أن أهْوى وأن أعْشَقا
قد يخفق القلب بتلقائية وعفوية مدفوعًا بمشاعر جميلة لا تتكرر مثلما يحدث في الحكايات والأساطير، وقد يخفق سعادة تزداد عمقًا وامتدادًا وكثافة حين يسترجع صاحبها بأنه استطاع خلقها بنفسه دون انتظار لمؤثرات خارجية بأبسط الوسائل، بلا تعب أو معاناة..
الأمر الأول يبدو حدوثه نادرًا، لكن الأخر يبدو متاحًا لنا جميعًا ذلكم يتمثل بممارسة عادة تحبها كلما كانت أكثر فائدة كان صاحبها أكثر تفوقًا في حياته، ولذلك استثناءات إذ يدخل ضمن هذه العادات ما يسمى بـ»الكيف» أو المزاج، بمعنى أن تلبي رغبة مزاجك الخاص من باب «ساعة لقلبك وساعة لربك» ساعة للهزل والمرح وساعة أخرى أكثر أهمية للجد والعمل..
يأتي ضمن هذا الكيف أن تتناول ما تحب، يتصدر ذلك «فنجان شاي»..
كيف يبدو يومك إن لم يكن لك مشروب مفضل تتناوله يوميًا؟!
تعرفت مؤخرًا على سيدة تعمل في المجال الصحي وقد أدهشني أنه ليس من ضمن عاداتها تناول الشاي أو القهوة وإنما هي مدمنة على شرب الماء فقط، حيث تحتفظ طوال الوقت بعبوة ماء صغيرة في يدها أينما ذهبت، تساءلت كثيرًا وما زلت أسأل كيف استطاعت أن تستغني عن الشاي والقهوة؟ وربما توجد هذه العادة لدى البعض من أنصار الحياة الصحية بلا «كافيين»..
في الدول العربية وفي بلادنا على وجه الخصوص ثمة عشاق للشاي، لا غنى لهم عنه بعد القهوة التي غالبًا تأتي في المقدمة، بعضهم يصف الشاي المرغوب جدًا بـ «دم الغزال»، لا أعلم لماذا يبدو هذا الميل للدموية في وصف جمال الشاي، أم أنه تأثير الصحراء وشراسة ظروفها أحيانًا؟!
وفي هذا السياق لم يحدث أن قرأت كتابًا للكاتب الياباني «أوكاكورا كاكوزو» لكنني قرأت هذه العبارة المقتبسة من أحد كتبه يقول فيها (ينطوي الشاي على سحر خفي يجعله لا يقاوم، ومنه القدرة على إسباغ الإحساس بالمثالية، فالشاي ينأى بنفسه عن غطرسة النبيذ وعن غرور القهوة وعن البراءة المتكلفة في نبتة الكاكاو). في ذاكرتي الآن صدى لأعنية كلاسيكية قديمة مطلعها «يا صبابين الشاي زيدو حلاتُه/ واللي ما يحب الزين شو هي حياتُه..) وعلى عكس هذه الكلمات الراقصة يقول «جورج أورويل» في مقال له نشر في يناير 1946م، في صحيفة إيفيننغ ستاندارد Evening Standard (أخيرًا ينبغي شرب الشاي دون سكر - إلا إذا كان المرء يشربه بالأسلوب الروسي - أعرف تمامًا أنني أنتمي للأقلية هنا، مع ذلك كيف يمكنك أن تسمي نفسك عاشقًا حقيقيًا للشاي في الحين الذي تدمر فيه نكهة شاييك بوضع السكر معه؟! سيكون معقولًا بالقدر نفسه أن تضع الفلفل أو الملح، من المفترض للشاي أن يكون مرّ الطعم... لو أنك قمت بتحليته، فأنت لم تعد تتذوق الشاي، أنت تتذوق السكر فقط..).