د.ثريا العريض
يشرح أفلاطون نظرّيته لنسبية الحقيقة والخيال وتأثيرهما على القرارات والأفعال، بتصوُّر مجموعة من الناس تجلس في كهف مظلم، وهناك ضوء في الخارج تمر أمامه الكائنات فترتسم ظلالها على حائط الكهف. وهذه الظلال المتحركة هي المصدر الوحيد لمعلومات البشر الجالسين داخل الكهف لمعرفة كنه الكائنات المتحركة أمام الضوء.. فهم لا يرون الكائنات ذاتها بل يرون ظلالها، ويحكمون على حجمها وخطورتها، عبر ما توحي به إليهم هذه الخيالات المنعكسة وتفسير الحركات الموحية.
هذه النظرية الفلسفية العلمية العميقة التي تفسّر علاقة أفكار البشر وقرارات أفعالهم برؤيتهم وتفسيراتهم لما يظنون أنهم يرون، استخدمت في برنامج فكاهي بصور متحركة أعدّ للأطفال، عن نظرية النسبية بين الحقائق العلمية والتصوُّرات المتخيّلة؛ ترتسم خيالات على جدار يقبع أمامه القط «توم» منكمشاً مرتجفاً، حيث أيقظته من راحة غفوته همهمة مخيفة، ليجد نفسه أمام ظلال كائنات عملاقة الحجم تزرع الرعب في قلبه. ثم يكتشف أنها فئران صغيرة تتحرّك أمام مصدر ضوء يضخم ظلالها وحركاتها، مستغلّة تأثير العلاقة الفيزيائية التي تربط بين الأجساد وظلالها، والمسافة بين هذه وتلك، لتتحوّل في نظر الرائي إلى أحجام ديناصورية تستثير الرُّعب. وبمجرّد أن يدرك القط هذه التمثيلية الهادفة لإيهامه وتخويفه ينزع الستار فيكشف حجمها الحقيقي، ويستعيد ثقته بقدرته الطبيعية.. ويضحك الأطفال مهلّلين فرحين بإدراك البطل للحقيقة.
***
كم في حياتنا الحقيقية كبشر من حالات شبيهة؟ الموهِمين؟ والموهَمين؟ وكم هناك من ضحايا الإيهام الذين لا يجرؤون على تحدّي اكتشاف الحجم الحقيقي للكائنات المرعبة، مرتسمة على جدار من وراء ستار ومصدر ضوء تشوّهت مهمّته من توضيح التفاصيل إلى تزييف الحقيقة؟
* * *
ما زالت قناة الجزيرة مصرة على التشبث بربط كل حدث إقليمي أو عالمي تتناوله بقضية جمال خاشقجي رحمه الله.. وتغمض أعينها عمّا يجري من مآسٍ إقليمية في الجوار المنكوب.. من يخبر القناة ومالكيها المصرين على الإيهام أن ستارة الشاشة المشبوهة قد انكشفت وسقطت, ولم يبق لها من المصداقية أي أثر؟
***
تفكيري مشغول بقضايا الساعة وقضايا السنة الفائتة, تتضارب حولها سيناريوهات الشاشات. ومثل جمهور المتابعين, لا أعرف ما ستنتهي إليه أحداث الأيام المقبلة وسنراها حين تستعرضها وسائل الإعلام عالميًّا.
هنا أدعو الله من قلبي أن يستطيع المتابع «الحَكَم» التحرُّر من تأثير مفعول الظِّلال والضوء المزيف للأحجام. وإذ يفقد المزيّف المستتر وأجنداته وتهديداته سلاح الترهيب للتأثير في القرار الصحيح، ستنتهي الحرب المجازية للتحكُّم في المدينة الفاضلة. ويحتفظ الحَكَم النبيل باحترام جميع اللاعبين والمتفرّجين لمصداقيته وهيبته.