عبده الأسمري
يتجلى العمر في منظومة السنين رقمًا صحيحًا لا يعرف نتاجه النهائي إلا علام الغيوب.. وسط معادلة عيش ومتراجحة حياة تسير بالإِنسان إلى حيث النهاية المحتمة بعيدًا عن الافتراضات والتوقعات والتكهنات..
وتبقى لغة الحتمية التوقيع الأخير لانقضاء العمر فيما يظل التنبوء حديثًا عارضًا لا يسري إلا على محطات الحياة فقط في قالب من التفاؤل والتشاؤم ووسط مؤشرات يعرفها المخلوق ذاته في رحلة المضي نحو الرحيل.
تظل حكايات «الموت» وأحاديث «الأجل» حصة يومية في حياتنا ووجبة ذهنية تأتينا من بين أيدينا تحل بيننا في تردد وتطل علينا في ارتداد يعتمر العقل ويغمر الروح وتظل سائرة في أنفسنا بانعكاسات الأنين والحنين..
في أجندات حياتنا «وقائع» متعددة بعضها فضفاضة ارتدت جلبات التذكر وأخرى محددوة تلبست رداء النسيان، وفي سجلات سلوكنا «طبائع» توازت مع تلك الوقائع بعضها تسرب إلى النفس بحكم الفطرة وأخرى تشربت السلوك بفعل التربية ونوع أخير تشبثت بالنفس بواقع الظروف.
في سنوات العمر.. أحداث وأحاديث وحكايات وحياكات ومرئيات ومرويات.. تقبع في الذاكرة وبعضها لا تزال تجبر صاحبها على نصيب مفروض من الأثر ومجال مفترض من التأثير، والحصيف من اتخذ منها وجهة نحو «الحذر» والجاهل من ارتمي فيها داخل متاهات «الوزر».
وما بين يقين الإِنسان وشك التنبوءات تظل كفة الميزان متأرجحة بين الثبات والسقوط.. وبين الإثبات والإسقاط لتكون الوقائع والطبائع متلازمتين في درب الحياة ويظل الإِنسان شاهدًا ومسددًا أو مترددًا في قراءة الماضي والحاضر والمستقبل بوقع الموضوعية وإيقاع الأوضاع.
الطبائع جزء من النفس تتعلق بالمثيرات والاستجابات وسمات لعنوان الإِنسان تؤطر سلوكه وتبلور تعاملاته ينكص إليها نحو إحباطه أو مقاومته وينطلق منها إلى حيث نجاحه أو فشله.
بين الطبائع والوقائع ارتباط ووشائج من التلقي والإلقاء سواء في حديث النفس أو حدوث الفعل وما بين الأقوال والأفعال تظهر تفاصيل الترابط في دائرة «الواقعة» لتليها مرحلة أخرى من الربط فيما بعد «الحدث» لتكون هنالك استجابة أخرى تظهر الوثاق بين مثير عابر وفعل معتبر.
توقف السنين الإِنسان في محطات معينة «جبرًا» فيستوقف فكرة «معبرًا» بسلوك أو «معتبرًا» بتجربة فتظهر دوائر الطبائع ومصائر الوقائع أمامه في حظوة «عمر» وسطوة «مواقف» فيمر على المحطة عابرًا نحو أخرى ينتظرها إما بشغف أو توجس وتمر الحياة في دائرة من التفكير والتدبير ودروس من التقدير والتعبير.
تتفاوت «ماهية» الطبائع و«كيفية» الوقائع من شخص إلى آخر.. فتدخل في حيز الاختلاف ومجال المفروقات.. فما بين مسبب ونتيجة ينسج العمر قصصه وحكاياته في اتجاه الطبع وجهة الوقع فتسير قافلة «الإِنسان» بين مسارب ومشارب ومسالك ومهالك حتى تنتهي الرحلة التي ستكون يومًا من الأيام إما «واقعة» تتذكر أو «وقيعة» تستنكر وتتشكل صفحات الحياة بألوانها القاتمة والفاتحة ومساحاتها البيضاء المتاحة للتشكيل السلوكي والتعديل الحياتي وساحاتها السوداء التي يتعذر دخولها أو التداخل معها فتظل «وبالاً» على صاحبها و«نكالاً» يبدد حسنات التعاون.
بين الطبائع والسلوك ترادف في المحتوى وتصادف في الاحتواء ينتهي في نقطة التقاء واحدة من «الوقائع والنتائج».
كل إِنسان مسؤول عن طبائعه التي تعكس طبعه وطبيعته وتطبعه في نظام حياة قابل للتغيير أو التسيير الذي سيكون «توقيع» الإِنسان في محاضر «وقائعه» ببصمته الخاصة ووصمته المختصة ليسجل الأمر باسمه في تفاصيل مختلفة تراوح بين العناء والفناء وسط أقبية «التنبوء» وغيبية «المصير».
الطبائع «موجهات» أولى لبناء شخصية الفرد وعطاء سلوكه وصفاء مسلكه، لذا كان من الأجدى من كل إِنسان أن يستفيق من جمود «التعامل» وفضاضة «الأسلوب» ليرتقى بأفعاله إلى مستويات الرقي الإِنساني والوعي الحياتي حتى تكون «الوقائع» في موازين «نفع» الذات و»شفع» التجربة ولتظل وجهًا للمحاكاة وأنموذجًا للمناداة في سبيل عون الآخرين وإغاثة الغير ولتبقى منبعًا للجودة ونبعًا للإجادة.