د. حسن بن فهد الهويمل
مبلغُ الأَشُدِّ، والرَّشَدِ عند الرجال سِنُّ الأربعين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ...}، وقد يكون مبلغ الرشد عند [الدول] قريباً من ذلك.
[الثورة الإيرانية] المشؤومة بلغت الأربعين. وكنا نود لها أن تبلغ الرُّشْد، وأن تعي نفسها، ومهمتها في الحياة. ولكنها لَمَّا تزل دولةً ثائرةً، مائرة، مهتاجة كالثور في حلبة الصراع، ينزف دماً، ويصول، ويجول وسط الحلبة، وراء المصارعين المهرة الملوحين له بالأقمشة الحمراء.
أجزم أنه إذ دخل بكل ما أوتي من قوة سيخرج محمولاً على [عربة البلدية] ليتحول إلى طعام لـ[حيوانات الحدائق]، خاتمة متوقعة، لدولة هانت عليها كرامتها، وهان عليها شعبها.
قد تُبطِّئُ أحلافهُ مع [قطر]، و[تركيا] وبعض الانتهازيين برصاصة الرحمة. وقد تكون قواعد اللعب الكبرى تستدعي الإبقاء عليه نمراً من ورق، لحفظ توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط.
وليس ببعيد أن تكون مشاريع الدول الكبرى مستدعية دعمه، كلما ترنح للسقوط، ليكون ورقة تهديد لدول الممانعة، والجنوح إلى السلام.
كل الاحتمالات واردة، وكل القراءات لظاهرة [الملالي] ممكنة. فشفرات اللعب بعيدة المنال، إذ لَمَّا تزل في نطاق السِّرِّيات. والإفراج الانتقالي عن بعضها سيكون بعد فوت الأوان.
قراءة الأربعين العجاف، توحي بنتائج يكاد يُتَّفَقُ عليها:
- الحروب المجانية المدمرة لكل الأطراف.
- المغامرات الهوجاء التي تدعم صناع السلاح، وتجاره.
- تعريض الشعب الإيراني للذل، والهوان، والقتل، والجوع.
- صناعة الأعداء، وأصدقاء المصالح.
- الإغراق في [الأدلجة] أدلجة النياحة، واللطم، واستدراج المغفلين من شيعة العرب.
- تصدير الثورة بكل أوضارها، وأحلامها الطائشة.
- تشتيت الجهود، واستنزاف الأموال، وخلط الأوراق.
- تسليط المكونات السكانية على بعضها في كل دولة ضعيفة المناعة.
- زرع الفتن في دول الشرق الأوسط، ودعم الإرهاب.
- الجزر، والمد على سنن {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى}.
تلك نتائج القراءة التي يكاد يتفق عليها الأصدقاء، والأعداء، على حد سواء.
- وماذا بعد الأربعين؟: إنه حصاد الهشيم المر.
- ما الذي حققته إيران للداخل الإيراني؟: الفقر، والتخلف، والتذمر.
- وما الذي جناه حلفاؤها الذين أكلوا الطعم، ومكَّنوا لها من رقابهم؟: فوضى الربيع الهدامة.
[الشاه] عاش شرطياً متغطرساً يهز عصاه الطويلة، والغليظة، ولكنه لا يضرب بها، ودول الجوار عرفت [طاووسيته] فتفسحت له، وأشبعت غروره الأجوف، كالقول بـ[الخليج الفارسي].
وحين خَرَجَ ذليلاً مخذولاً من الغرب، لم يجد من يؤويه. حتى لقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم يجد مأوى لجثمانه بعد موته.
دول الجوار يودون احتواء الثورة، أو تحييدها، وتفادي الصدام معها، لأنهم عانوا من غطرسة [الشاه] بما فيه الكفاية. وكان لديهم الاستعداد التام للمصالحة السلبية على الأقل، ولو جاء ذلك على حساب الجهد، والمال.
دول الجوار دول ملكية، أو إماراتية، أو سلطانية تعيش آمنة مستقرة، غنية، متصالحة مع شعوبها، لا توسعية، ولا مصدرة لنظام، ولديها مشاريع تنموية، تود لو أتيحت لها الأجواء الملائمة لتنفيذها. فكل الويلات جاءتها من الخارج، لأنها لم تواجه مشاكل داخلية.
سقوط الشاه لم يتفق قُرَّاء الكف السياسي على تحديد مهندسه، وأهدافه. لقد شكل مفاجأة مربكة لدول الخليج، مثلما شكل تمزق [الاتحاد السوفييتي] ارتباكاً لأمريكا.
- هل أسقطه الشارع الإيراني الذي يغلي بالحشود الهائمة؟
- أم هو تخلي الحليف الأمريكي عن العميل الذي استهلك كل أقنعته؟
- هل سقوط الشاه اختياراً غربياً، أم اضطراراً أمام ضغط الشارع الإيراني؟
من أسقط الشاه، وهو الأقوى عسكرياً، والأعرق امبراطورية. ألم يكن باستطاعته إن يُحَوِّل بلدهُ إلى حمامات دم، كما يفعل [الأسد] اليوم في سوريا، وكما يفعل [الليبيون]، و[اليمنيون]، أو يتحول إلى مواجهة رعناء لقوى الطغيان، كما فعل [صدام حسين].
[الخميني] عاد بحماية غربية، وتأييد غربي، ليس خوفاً منه، ولا رغبة فيه، ولكن اللعبة التي ركب موجتها، تريد صياغة جديدة للشرق الأوسط، وهو العميل الأنسب لتنفيذها، لأنه العدو التاريخي للعرب.
ولهذا جاء محفوفاً بهالة من التصنيم، والتعظيم، أخافت من حوله، وأعطته دعماً عملياً.
جيش الشاه الذي تركه، وطيش [حزب البعث] القومي وضع الغرب أمام معادلة صعبة. فرض العودة بالدولتين معاً إلى مربعاتهما الأولى.
لهذا كانت [حرب الخليج الأولى]. ولأن السحر قد ينقلب على الساحر، فقد خلقت الحرب قوة عراقية قلبت الموازين، فكان لا بد من إعادة الأمور إلى مجاريها، فكانت [حرب الخليج الثانية]، ثم [احتلال الكويت]، ومن بعدها كذبة [سلاح الدمار الشامل] إنها حسابات خاطئة، كما هي في [فيتنام]، و[أفغانستان].
لقد تحولت [إيران] إلى مقاتل شرس بالإنابة، أشبعت في تهورها غرورها التوسعي، وظلت جندياً يباشر القتال، ولا يكتفي بالتخويف، وهز العصا في الهواء، كما كان يفعل [الشاه].
أكثر من [خمس، وعشرين] مغامرة مجنْونة خاضها المعممون. بدأت بسقوط الشاه، وعودة الخميني، وانتهت بانسحاب [دونالد ترامب] من صفقة عام 2015 النووية، وتحرف إيران لتطوير الصواريخ البالستية.
لقد بلغت العنجهية الإيرانية ذروتها بمحاولة ضم [البحرين] إلى ولاياتها، كما [الأحواز]، و[الجزر الثلاث]، ولكن قرارات [الملك عبدالله] الحازمة، والمفاجئة، والمحبطة لأمريكا، وإيران على حد سواء أجهضت الأحلام الطائشة.
كما بلغ الجنون الإيراني العمل على ضم [اليمن] إلى ولايته، ولكن قرار الحزم، والعزم الذي بادره [الملك سلمان] كسر المجاديف، ومزق الأشرعة.
بقاء إيران الملالي، والآيات مرتبط باللعب التي هو طرف فيها.
من الناس من يحار بالشأن الإيراني: هل هو حليف للغرب، أو عدوٌ له؟ والمسألة لا تتعلق بالأحلاف، ولا بالعداوات.
المسألة مرتبطة بأهداف عليا، وخرائط طريق بعيدة الغور. و[إيران] بجهلها التام بقواعد اللعبة، وجلدها، واحتمالها هي الدولة المناسبة لتنفيذ اللعب، وعداؤها، أو ولاؤها أقنعة لا تخدع إلا السذج.
قد تدعي العداوة، وقد تناور، وقد تضرب مصالح الغرب، ولكنها في النهاية جندي مخلص، ومنفذ لخرائط الطريق. القول بـ[الشيطان الأكبر]، وإنشاء [حزب الله] أوراق ضغط لفك الاختناقات.
واجبنا في ظل الرعونة الإيرانية الحرص على قفل ملفات اللعب، وكشف الحقائق، فبرفعها، وتنوير الرأي العام سقوط للظاهرة القلقة، المقلقة. إيران الآيات، والملالي.