عطية محمد عطية عقيلان
تتسم أغلب حواراتنا بخطط واضحة المعالم تطبق فيها تكتيكات متقاربة ومكررة، وكأنك تشاهد مباراة لكرة القدم تبدأ بالهدوء والدفاع الجيد ومحاولة الاستحواذ وشن الهجمات لتسجيل الأهداف لتحقيق الفوز، مع فارق وجود حكام في المباراة يراقبون ويسيطرون على أداء اللاعبين واحتساب الأخطاء وإعطاء الكروت والطرد للمتهورين.
فحواراتنا تبدأ بابتسامة جميلة وهدوء أعصاب وتفهم ومحاولة للاستحواذ والسيطرة على النقاش وفرض الحجج وتنتقل إلى الصوت المرتفع والمقاطعة وتعقيد الحواجب يتخللها عبارات ساخرة وضحكات استهزائية (تستوجب كروت صفراء وأحيانا طرد لوقف النقاش) وتنتهي بالبحث عن الهدف الذهبي للانتصار في الحوار (وعادة هذا لا يحدث إلا في حالات نادرة) وإذا لم يحصل تتعقد الأمور ويتجه الحوار إلى جدال ونقاش درامي انفعالي تتشابك فيه الأصوات وتسفيه الآراء والتي تؤدي إلى نقص في رصيد العلاقة واتهامات (بأن ما عندك سالفة) مع تصلب في الرأي وارتفاع السكر والضغط والنتيجة النهائية مضيعة وقت وحوار بلا فائدة أو أي إضافة إيجابية، مع تغييب نهائي لثقافة الاعتذار وتقبل صواب الآخرين مع التعنت والإصرار على رأيك حتى ولو اكتشفت خطأه فإن (العزة تأخذك بالإثم) فنعتقد أنه من الضعف أو الهزيمة التراجع والاعتذار ونصر بأنها (عنز ولو طارت).
لنطبق في حواراتنا ما نفعله في حياتنا العادية فلكل مناسبة أو نشاط ملابسه وتجهيزاته الخاصة فما نلبسه في الشتاء القارص لا يصلح للصيف، والتجهيز لممارسة السباحة لا يناسب الطلعات البرية، لذا عند النقاش لا بد من مراعاة اختلاف البشر ونظرتهم وفهمهم للأحداث بعيدا عن التنظير والحديث في كل شيء ولنعتمد مبدأ (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية) بمعناها الحقيقي بعيدا عن فرض الآراء وتغليط الآخرين وتصيد أخطائهم ولنركز على محاولة الاستفادة من آراء الجميع والتعلم منها، فنضوجنا وتوسيع مداركنا يعتمد على استيعاب والاطلاع على كل الآراء وتقبلها، ولنتجنب النقاش والجدال في كل شيء (وكأننا نحاول اصطياد سمك في ملعب كرة قدم) بدون طائل أو نتيجة بل مزيدا من الهدر في الوقت والمال والصحة وخسارة مزيد من الزملاء والأقارب، وليكن حوارنا مغلفا بطوق النجاة بالإنصات الجيد والتفهم وتقبل الآخرين وطرح آرائنا بالرفق واللين ولنتبع هدي رسولنا عليه الصلاة والسلام (مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ).