أ.د.عثمان بن صالح العامر
من الظواهر المؤذية حقاً أن البعض من مروِّجي الشائعات وناشري المعلومات المغلوطة في سماء العالم الافتراضي المفتوح ركب موجة تمرير كذبته والتسويق لمنتجه أو لمنتج غيره وخداع الناس بالإحالة على الحقل العلمي الذي يحظى في هذه المرحلة من عمر البشرية بالثقة الكبيرة.
هذه الإحالات للأسف الشديد لم تقتصر على فن من فنون الحياة المختلفة دون آخر، بل شملت الكل الطب والهندسة والفكر وعلم النفس والاجتماع والزراعة والاقتصاد، والمشكلة أن هناك من ينقل ما يرده على أنه أمر مثبت بالفعل، وهكذا تتعاظم الكذبة وتكبر الدائرة وربما وظّفنا نحن من غير أن نعلم، فأثبتنا ودافعنا ونافحنا عمّا لم يثبت أصلاً، ولم يقم على دراسات علمية رصينة أجراها متخصصون في هذا الباب من أبواب العلم، أو أن هذه الدراسة إن كانت بالفعل موجودة لم تصل إلى نتائج قاطعة بشكل يمكن الاعتماد عليها وتعميمها خاصة في الأمور الطبية والنباتية التي قد يترتب على تعاطيها أضراراً صحية آنية أو مستقبلية. والاحتمال الثالث أن عينة هذه الدراسة لم تكن عشوائية ولذا فقدت النتائج حياديتها وانتفت مصداقيتها وجانبت الدراسة السمة الموضوعية التي هي الركن الأساس في الأعمال العلمية خاصة ما كان منها ذا مساس مباشر بحياة الإنسان. والشيء المقطوع به أن جلَّ هذه الدراسات التي يعوّل عليها هي في الأساس دراسات غربية، أجريت من قبل فريق علمي تابع لأحد مراكز البحوث المتخصصة التابعة للقطاع الخاص، ولذا فالعينة المأخوذة تختلف عنّا نحن في العالم العربي سواء من ناحية التكوين البدني والجينات أو الطبيعة المكانية أو الناحية النفسية أو ... وهذا طبعاً له دوره المباشر في تحديد مقدار الجرعة الطبية مثلاً والآثار الجانبية الناتجة عن تعاطي هذا الدواء أو ذاك وما إلى ذلك.
إن من الغبن الفاحش أن تكون شريكاً يوماً ما في جريمة قد يكون ضحيتها أقرب الناس لك، فقط لأنك كتبت أو على الأقل نقلت ما وصلك ( أثبتت الدراسات العلمية والنتائج المخبرية...) وصدَّقك من يثق بك فأصابه مرض ما، أو تعرَّض لأزمة مالية، أو فسدت علاقاته الاجتماعية بزوجته وولده وأقرب الناس إليه، أو صار منحرفاً فكرياً أو... فحذارِ أن تنزلق في هذا المنزلق الخطير، أو تهرول خلف كل ناعق، أو تغتر في قول من قال أو كتابة من كتب (أثبتت الدراسات ...) فهذا باب خطير وإن كان الأصل فيه الصحة والسلامة، ولكن حُرف - في خضم البحث عن الشهرة والمال بالسوق العالمي المفتوح المرتكز على العرض والطلب - من حالته الأصلية هذه ليصبح بيد من ليسوا أهله من الأدعياء والدجالين الذين ركبوه مطية سهلة ميسَّرة - بلا رادع ولا ضابط ولا مراعاة لمنزلة العلم وتقدير للدراسات الميدانية التي يعكف عليها أهل الاختصاص سنوات ليصلوا للنتائج المقننة التي لها مصادرها التي تجدها فيه، وعالمها الذي يعرف الواحد منهم تفاصيلها حرفياً كما يعرف اسمه ورسمه - فكانت الكارثة، ولو شئت الدليل على قولي هذا فإننا نقرأ اليوم مثلاً (أثبتت الدراسات أن هذا المنتج مفيد للصحة) وفِي الغد خبر آخر من بلد آخر وجامعة لها تاريخها العريق تقول عكس ما قرأت بالأمس وكلا الخبرين غير صحيح، أو يأتي الخبر بأن الدراسات أثبتت بما هو خلاف ما ألفه وعرفه الناس فيهتز المجتمع وتكثر التساؤلات وإذا بطبيب مختص يظهر في الإعلام ينفي ما قيل ويثبت أن الدراسات العلمية المعتبرة تقول خلاف ما أشيع، وربما قال إن شركة الأدوية هذه تريد أن تسوّق لمنتج جديد، وكأنه يومئ إلى أن الدراسات قد توظّف لخدمة مصانع وتخدم أشخاص على حساب صحة الإنسان دون رادع من خوف أو ضمير، ونحن في العالم الثالث حقول تجارب وأسارى إشاعات لا مكان لها من الصحة ولا نصيب لها من الحقيقة للأسف الشديد، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.