د. عيد بن مسعود الجهني
التنظيم القانوني للتحكيم الأجنبي مرَّ بمراحل عدة، أولها يتطلب وجود اتفاق على التحكيم يحدد القواعد التي تحكم النزاع الذي قد ينشأ بين الأطراف، والمرحلة الثانية تبدأ عندما يحدث نزاع بالفعل، وبالتالي يلزم الأمر الالتجاء إلى التحكيم في شأنه ومن ثم تحديد الإجراءات الواجبة الاتباع والقانون الواجب التطبيق والمرحلة الثالثة تتعلق بتنفيذ حكم التحكيم.
واليوم تزايد التنظيم القانوني للتحكيم الأجنبي زيادة كبيرة تبعًا لازدياد المعاملات الدولية واتساع نطاقها، نلمس هذا في تعدد هيئات التحكيم في مختلف أنحاء العالم، منها ما نشأ في إطار منظمة الأمم المتحدة أو خارج هذا الإطار كما نلمس هذا في كثرة المعاهدات الدولية التي أبرمت في هذا الصدد إلى جانب القواعد القانونية الجديدة التي تنظم التحكيم الدولي.
والتنظيم الدولي للتحكيم الأجنبي، قد يكون تحكيم دولي خاص موضوعه علاقات تجارية تكون بين أشخاص ينتمون لدول مختلفة، أو تحكيم دولي عام محله منازعات بين الدول أو المنظمات أو الهيئات الدولية، فالتحكيم الدولي الخاص يفصل في المنازعات التي تثور بصدد التجارة الدولية لأن هذا النوع من النشاط يثير مشكلة القانون الواجب التطبيق خصوصاً في ظل نشوء قانون التجارة الدولية، أما التحكيم الدولي العام فإنه يحسم المنازعات التي تثور بين الدول بشكل عام.
ويقابله التحكيم الوطني ويعتبر التحكيم وطنيًا إذا صدر حكم المحكمين في داخل الدولة كأن يصدر داخل المملكة أو مصر أو الإمارات أو الأردن أو لبنان.. إلخ، ويتعلق بنزاع داخلي في جميع عناصره فيعين له محكمون وطنيون يصدرون حكمهم داخل الدولة وفقاً للإجراءات والقواعد التي ينص عليها النظام الوطني.
ولا توجد صعوبة في التحكيم الوطني، إذ إن حكم التحكيم الوطني يصدر طبقًا لنظام التحكيم الوطني ويتم تنفيذه طبقًا لأحكام القانون الوطني الداخلي، أما التحكيم الأجنبي فهو ذلك الذي يشتمل على عنصر أجنبي أو أكثر سواء تعلق هذا العنصر بموضوع النزاع أو بجنسية الأطراف أو المحكمين أو بموطنهم أو يضبط بإجراءات التحكيم أو مكان صدور التحكيم فيه.
ولا شك أن اللجوء إلى التحكيم في العلاقات التجارية الدولية يفضله المتنازعون على القضاء العادي عادة، الذي تكون إجراءاته طويلة معقدة تستغرق زمنًا طويلاً، وقد تطرأ أثناءها تطورات وتغيرات بالسوق الدولية إلى جانب أنه في إطار العلاقات ذات الطابع الدولي تتم إثارة النزاع أمام قاضٍ أجنبي بعيد عن كل أطراف العلاقة ومن ثم فقد يطبق قانونًا غريبًا عنهم أو عن بعضهم، بينما قد تكون مصلحتهم إتباع طريق التحكيم فيتفقون على الجهة التي تتولى التحكيم في النزاع القائم بينهم وعلى القواعد التي يتم تطبيقها للفصل في نزاعهم.
وقد تثور بعض التساؤلات عندما يتضمن التحكيم عناصر وطنية وعناصر أجنبية، فكيف يتم تحديد الدولة أو الدول التي ينتمي إليها التحكيم؟ فقد اختلفت الآراء في هذا الموضوع فذهب رأي إلى أن التحكيم يسند إلى الدولة التي تمت فيها إجراءاته، بينما فضل آخرون الدولة التي صدر فيها حكم التحكيم وطبقًا لرأي ثالث يخضع التحكيم لمبدأ سلطان الإرادة كما هو الحال بالنسبة للعقود.
إلا أن هذه المعايير جميعها تعرضت للانتقادات، فبالنسبة للمعيار الأول الذي يسند التحكيم إلى الدولة التي تمت فيها الإجراءات قيل باحتمال إتمام الإجراءات في أكثر من دولة كما انتقد معيار الدولة التي صدر فيها حكم التحكيم بأنه قد تقوم صلة عرضية بين الدولة والتحكيم لمجرد أنها مقر اجتماع المحكمين، أما المعيار الثالث الذي يخضع التحكيم لاتفاق الأطراف فقد انتقد، نظرًا لأنه قد لا يتفق الأطراف على دولة التحكيم.
والحقيقة أن هذا كله خلاف نظري بطبيعة الحال لا وجود له في ظل نظام التحكيم السعودي الجديد، إذ نصت المادة الثانية منه على: (مع عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية وأحكام الاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفاً فيها، تسري أحكام هذا النظام على كل تحكيم، أياً كانت طبيعة العلاقة النظامية التي يدور حولها النزاع، إذا جرى هذا التحكيم في المملكة، أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجرى في الخارج، واتفق طرفاه على إخضاعه لأحكام هذا النظام، ولا تسري أحكام هذا النظام على المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح).
ونصت المادة الخامسة منه على: (إذا اتفق طرفا التحكيم على إخضاع العلاقة بينهما لأحكام أي وثيقة (عقد نموذجي، أو اتفاقية دولية أو غيرهما)، وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم، وذلك بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية).
إذًا نظام التحكيم الجديد جاءت نصوصه واضحة إذا جرى التحكيم في المملكة أو كان تحكيمًا تجاريًا دولياً يجري في الخارج واتفق طرفاه على إخضاعه لأحكام نظام التحكيم السعودي، وعلى الجانب الآخر فإن النظام احترم إرادة أطراف التحكيم إذا اتفقوا على إخضاع العلاقة بينهما لأحكام أي وثيقة أو اتفاقية دولية أو غيرها، فهنا يتم العمل بأحكام هذه الوثيقة أو الاتفاقية بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.
والله ولي التوفيق،،،