د. جاسر الحربش
لأننا نستطيع القول بدون أن يحتج أحد : لا يوجد علاج علمي حديث يشفي كل أنواع السرطان. بنفس القناعة يجب أن نستطيع القول : ليس كل من عولج ببول الإبل أو بماء زمزم شفي من السرطان. في القولين مجرد وصف مطابق للواقع ، لكن وقع الجملتين يختلف بين سامع وسامع حسب الثقافة والهوى ومفاهيم القياس.
ولأننا نستطيع الوصول إلى الإثباتات أن آلاف الحالات الموثقة بالملفات والأرقام شفيت من حالات السرطان إثر علاجها بالأدوية والطرق العلمية الحديثة ، فلنا الحق (العلماء والباحثون والأطباء) في المطالبة بكشف الإثباتات على الأقل ولو عن بعض الحالات الموثقة بالملفات والأرقام التي شفيت من السرطان إثر علاجها بطرق أخرى غير الوسائل الحديثة في أي مجتمع على الكرة الأرضية.
بعد مقابلة سيدة من ألمع الباحثات السعوديات في علوم الوراثة وعلاقتها بالأمراض السرطانية وغير السرطانية في روتانا خليجية فاضت وسائل التواصل الاجتماعي بالقليل من محاولات الفهم والمقارنة ، إلى جانب الكثير من الشتائم والسخرية والاستنكار والاعتداء اللفظي. بناءً على ما حصل أستطيع الوصول إلى الاستنتاجات التالية :
أولاً : أن الحيز الذي يستطيع فيه عندنا الباحث العلمي الجدي التحرك إعلامياً وتنويرياً حيز ضيق جداً ولا يتناسب مطلقاً في سعته مع الحيز المتاح لتحرك النشاط الإعلامي مثلاً حول السياحة والترفيه والرياضة وغير ذلك.
ثانياً : أن تعليق وزارة الصحة على سؤال مغرد في الشبكة عن صحة أو خطأ إنقاص أو إلغاء فاعلية العلاج الكيميائي عند خلطه بماء زمزم ، لم يكن جواباً علمياً إنما لإبداء وجهة النظر العلمية كطرح معروض للنقاش ، وليس لإعلان البراءة منه. حسب رأيي المتواضع جاء رد وزارة الصحة في وارد طلب السلامة والتهدئة ، بينما كان المتوقع منها كسلطة علاجية علمية أن توضح القصد فيما قالته الدكتورة أثناء المقابلة التلفزيونية :
- أن السرطان ليس مرضاً واحداً ، ولكن يعجب الناس وجود علاج واحد يشفي من كل الأنواع. لذلك (وهذا السؤال من عندي) لماذا لا تتبنى المؤسسات الصحية السعودية علاج كل السرطانات ببول الإبل وماء زمزم فقط وتلغي مراكز علاج الأورام.
- أن الدكتورة لم تنف فائدة العلاج بماء زمزم ، ولكنها طلبت ضمناً إما أن يكون العلاج بماء زمزم لوحده ، أو بالعلاج العلمي الحديث لوحده ، وعدم خلط العلاجين لأنه لا يدرى عندئذ من أين أتت الفائدة أو الضرر.
- أن رد وزارة الصحة المستند إلى رأي متخصص يعمل عندها عن إمكانية خلط العلاج الكيميائي بالمحلول الملحي كان يعني خلطه بمحلول ملح الطعام الفسيولوجي، وليس بأي محلول يحتوي على أنواع مختلفة وتركيزات كبيرة من الأملاح والمعادن. ماء زمزم مبارك ويجب أن يستعمل لوحده كعلاج دون خلطه بأي مواد أخرى ، فماء زمزم لوحده فقط لما شُرب له كما يحدد الاستعمال الحديث الشريف.
- أن المنشور من أبحاث عن علاج بعض حالات السرطان ببول الإبل كان حتى الآن في مجلتين هامشيتين غير محكمتين علمياً ، ولذلك لم تأخذ الأوساط العلمية بالنتائج لنقص الاستدلالات الموثقة ، ومن ضمنها المراكز البحثية في الجامعات السعودية.
في الختام يأمل العاملون في مجالات البحث العلمي الموثق عالمياً أن يوسع لهم في مجالات التواصل الإعلامي مع المواطن للتنوير الصحي . وبما أن السيطرة على عشوائية التواصل الاجتماعي الشبكي غير ممكنة ، يجب على الأقل على السلطات التي يتبع لها الباحث أن تكون إعلامياً وعلمياً في صفه ما لم يرتكب تزويراً أو خطأً واضحاً غير قابل للتبرير.