د.عبدالله بن موسى الطاير
يتوجه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شرقاً في زيارة تاريخية. وفي آسيا عدة محطات دائمة الحضور في السياسة الخارجية السعودية وأهمها باكستان وإندونيسيا والهند وماليزيا والصين. يسكن في هذه الدول ثلاثة مليارات وثلاثمئة مليون شخص. أي نحو نصف سكان العالم البالغ سبعة مليارات ونصف المليار. ليس هذا فحسب وإنما تستحوذ هذه الدول على نحو 38 تريليون دولار أمريكي من إجمالي الناتج المحلي الدولي البالغ نحو 78 تريليون دولار. يضاف إلى ذلك أن في هذه الدول مجتمعة حولي 700 مليون مسلم.
عالم اليوم تحكمه المصالح، والمصالح لا تؤطرها المشاعر بقدر ما تكتبها الحقائق والأرقام، والصين حالياً تعتبر الاقتصاد الأول عالميا، وتشير الدراسات المستقبلية إلى أنها ستبقى متربعة على قمة الهرم الاقتصادي العالمي عام 2050م، وستكون جارتها الهند هي الوصيف وترتقي إندونيسيا إلى المركز الرابع حينذاك بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
المملكة لديها سلعة استراتيجية وهي الطاقة، والصين والهند مستهلكان رئيسيان للطاقة، وبذلك فإن الأسواق في البلدين واعدة.
يلوح في الأفق نموذج صيني يعتبر مقابلا للنموذج الغربي، ومكافئا له. الغبش الذي يحجب النموذج الصيني مقصود، فالمعسكر المنافس متمكن في منطقتنا ولديه أدواته الدعائية التي تسوق له على أنه الأصلح للحياة وقيادة البشرية ويقوم على ثلاث ركائز هي الاقتصاد والثقافة والمؤسسة السياسية (أي الديمقراطية). وفي سبيل فرض الأسلوب الغربي للحياة تستبيح الدول الغربية كل المحرمات من اجتياح للدول، وتغيير للأنظمة السياسية وإثارة للفوضى الخلاقة والخناقة، وتقرب الدول وتبعدها على أساس القيم المشتركة معها وهي قيم غير محايدة، وإنما تم صياغتها بما يتناسب وأسلوب الحياة الأمريكي والأوربي دون احترام للتمايز بين الشعوب والحضارات.
أوربا وأمريكا لم تصل إلى هذا المستوى الذي تقدمه كأنموذج للحياة المثالية إلا بعد سلسة من الحروب الطاحنة داخلها وخارجها، وبعد حقب استعمارية امتصت بها خيرات دول العالم الثالث واستعبدتها عقودا عددا. وأسهمت في إطلاق حربين عالميتين حصدت أرواح الملايين وخلفت دمارا كبيرا للبشرية. ولكنها ومن باب العدل في القول استطاعت النهوض بدولها وبالعالم من خلال الاقتصاد والصناعة والمخترعات التي جعلت حياة الناس أفضل.
يقول كيسنجر في كتابه السياسة الخارجية الأمريكية : ليس لدينا سياسة خارجية، وإنما نمتلك أسلوب حياة هو الأفضل للبشرية وقوة كافية لفرضه على العالم. مشكلة هذا المعسكر أنه لا يؤمن بحق الآخرين في الاختلاف معه عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، فإما التطبيق الكامل لما يؤمن به وإما العداوة الكاملة والتربص.
الصين في المقابل تقدم تجربة جديرة بالاهتمام، فهي الدولة الأولى اقتصاديا على مستوى العالم، وتأسست عام 1949م، ومقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية التي تأسست على عام 1776م، فإن ما حققته أمريكا اقتصاديا في 243 عاما تجاوزته الصين في 70 عاما.
النموذج الصيني يقوم على التنمية وإعلاء شأن الاستقرار السياسي. وبذلك استطاعت الصين خلال أربعة عقود قلب هرم الاقتصاد رأسا على عقب. فبعد أن كان 90 في المئة يعيشون تحت خط الفقر، أصبح الآن 10 في المئة تحت خط الفقر فقط. النظام السياسي والاقتصادي الذي يغير حياة أكثر من 800 مليون إنسان إلى الأفضل في ثلاثة أو أربعة عقود يستحق الدراسة والاهتمام في مقابل العجرفة الغربية التي أحالت عددا من الدول المستقرة إلى أخرى مهلهلة ومضطربة وتتلقى المساعدات بعد أن كانت تصدرها.
الهند تتجه لأن تكون ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الصين بحلول عام 2030م، والأولى في عدد السكان، وهي صاحبة مدرسة جديرة بالاهتمام وسوق اقتصادي مزدهر للمنتج السعودي إضافة إلى قربها الجغرافي.
أما باكستان وماليزيا وإندونيسيا فدول إسلامية ذات أهمية خاصة للمملكة، ويجدون في المملكة القيادة والزعامة ويرونها قلب العالم الإسلامي النابض بالإيمان والأخوة الصادقة ورائدة التضامن الإسلامي، إضافة إلى المصالح الاقتصادية.