د. يوسف بن طراد السعدون
أشاد الاتحاد الأوربي ودوله الأعضاء ضمن مجموعة العمل الدولية (فاتف) قبل 6 أشهر، وفقا لتقرير المجموعة، بمستوى التزام المملكة موضحين بأن إجراءاتها الوقائية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قوية ومتينة.
فلماذا أقدمت المفوضية الأوروبية الآن على إضافة اسم المملكة إلى قائمتها السلبية، والاتحاد الأوروبي على دراية تامة بحجم الإجراءات والتشريعات التي أقرتها المملكة في سبيل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟
ماذا تغير في المملكة من إجراءات وأمور في نظامها المالي خلال 6 أشهر، ليبادر الاتحاد الأوروبي بإضافة اسم المملكة إلى قائمته المستقلة هذه؟
أليس من الواضح أن القائمة الأوروبية السوداء هذه تعكس لنا جليا المساعي المعتادة للاتحاد الأوروبي للابتزاز باستغلال سياسة ازدواجية المعايير؟
على الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إصدار تقارير دورية تتضمن قائمة سوداء بأسماء الدول التي يصدر عنها مناهضة لحقوق الإنسان والعنصرية وازدراء للدين الإسلامي، أو التي تقوم بإيواء ودعم وتوفير إمكانات الاتصال من أراضيها لأفراد وجماعات يروجون لأفكار إرهابية في العالم، أو دعائية مغرضة ضد استقرار الدول العربية وكيان الدين الإسلامي. فمنطقتنا هي الأكثر معاناة من هذه الشرور، وبالتالي نحن الأولى بإصدار التقارير والقوائم عن قضاياها.
صرحت السيدة فيرا جيوروفا المفوضة الأوربية للعدالة والمستهلكين والمساواة بين الجنسين، في ستراسبورغ بتاريخ 13 فبراير، قائلة: إن أوروبا مفتوحة لممارسة الأعمال ولكنها ليست غبية وتحتاج لحماية نظامها المالي، فالأموال القذرة تعد الأساس للجريمة المنظمة والإرهاب. وأتى ذلك التصريح بمناسبة إعلان الاتحاد الأوروبي عن القائمة المقترحة للدول عالية المخاطر في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
حيث أضافت القائمة الأوروبية 11 دولة (منها المملكة العربية السعودية) إلى قائمة من 12 دولة حددتها سابقا مجموعة العمل المالي (فاتف) كدول تتصف بضعف واضح في قوانينها وإجراءاتها المتعلقة بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال. وشملت القائمة الأوروبية الدول التالية: أفغانستان، ساموا الأمريكية، البهاما، بوتسوانا، كوريا الشمالية، اثيوبيا، غانا، غوام، إيران، العراق، ليبيا، نيجيريا، الباكستان، بنما، بورتوريكو، السعودية، سريلانكا، سوريا، ترينيداد وتوباغو، تونس، جزر فيرجن الأمريكية، اليمن.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا، لماذا أقدمت المفوضية الأوروبية على إضافة اسم المملكة إلى قائمتها؟ وقبل الاسترسال في تقديم إجابة، أرجو أولا أن يراجع الجميع أسماء الدول التي ضمتها تلك القائمة. بالتأكيد سوف ترون هناك نشاز واضح، في إدراج السعودية بالقائمة مع أسماء العديد من الدول الأخرى التي ضمتها. وذلك أخذا بالاعتبار التطور الكبير في نظام المملكة المالي وترابطه الوثيق مع منظومة النظام المالي الدولي، فهي واحدة من دول مجموعة العشرين التي قامت على أساس إنقاذ النظام المالي العالمي. كما آمل من الجميع أن يستعرض العدد الكبير من الدول التي لم تدرج أسماؤها ضمن القائمة، سواء من منطقة الشرق الأوسط أو خارجه، والتي تتصف بضعف واضح في قوانينها وإجراءاتها المتعلقة بتمويل الإرهاب وغسل الأموال.
والاتحاد الأوروبي يدرك تماما هذا الأمر، فهو على دراية تامة بحجم الإجراءات والتشريعات التي أقرتها المملكة في سبيل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بهدف الحد من المخاطر المرتبطة بجرائمه. فالسعودية هي أكثر دولة عانت من الإرهاب، وحاربت تمويله، وساهمت في إنقاذ دول عديدة حول العالم من ويلاته. وقد أشاد تقرير التقييم المتبادل حول المملكة، الذي نشرته مجموعة العمل المالي (فاتف) في سبتمبر 2018، بمستوى التزام السعودية بتوصيات المجموعة. وأوضح التقرير أن إجراءات المملكة الوقائية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قوية ومتينة. كما أكد أن لدى المملكة إطاراً قانونياً وإجراءات تنسيقية لتنفيذ العقوبات المالية المستهدفة التي تفرضها الأمم المتحدة دون تأخير. وأشار التقرير إلى أن السعودية أثبتت أن لديها فهماً جيداً لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واتخذت في هذا الصدد تدابير عدة لمعالجة المخاطر التي تم تحديدها من قبل التقييم الوطني.
ومجموعة العمل المالي (Financial Action Task Force) واختصارها (فاتف) تأسست عام 1989 ومقرها باريس. وهي المنظمة الحكومية الدولية المعنية بمحاربة تزوير العملات وتمويل الإرهاب. وتتولى مهمة دراسة التقنيات واتجاهات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وإعداد وتطوير السياسات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب محليا ودوليا. وتتمثل مهام المجموعة بوضع المعايير وتعزيز التنفيذ الفعال للتدابير القانونية والتنظيمية والتشغيلية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح، والتهديدات الأخرى ذات الصلة بنزاهة النظام المالي الدولي. وتعمل أيضاً بالتعاون مع جهات دولية معنية أخرى، على تحديد مواطن الضعف على المستوى الوطني بهدف حماية النظام المالي الدولي من الاستغلال من خلال عمليات التقييم المتبادل.
علما أن الاتحاد الأوروبي نفسه كمنظمة ومعظم دوله، أعضاء في مجموعة العمل الدولية (فاتف). فالمجموعة تضم في عضويتها 38 عضوا، تتألف من منظمتين إقليميتين هما الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى جانب 36 دولة عضو هي: الأرجنتين، أستراليا، النمسا، بلجيكا، البرازيل، كندا، الصين، الدنمارك، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، هونج كونج، ايسلندا، الهند، إيرلندا، إسرائيل، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، لوكسمبورغ، ماليزيا، المكسيك، هولندا، نيوزلندا، النرويج، البرتغال، روسيا، سنغافورة، جنوب إفريقيا، إسبانيا، السويد، سويسرا، تركيا، بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية. كما تضم دولتين مراقبتين هما: إندونيسيا والمملكة العربية السعودية.
والملاحظة الظاهرة للعيان أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ضمن مجموعة العمل الدولية (فاتف)، أشادوا قبل 6 أشهر، وفقا لتقرير المجموعة، بمستوى التزام المملكة موضحين بأن إجراءاتها الوقائية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قوية ومتينة. والآن يتبجح الاتحاد الأوروبي بإصدار قائمة مستقلة تضم المملكة وتناقض التقرير الصادر عن المجموعة. فماذا تغير في المملكة من إجراءات وأمور في نظامها المالي خلال 6 أشهر، ليبادر الاتحاد الأوروبي بإضافة اسم المملكة إلى قائمته المستقلة هذه؟.
بالتأكيد، لم تسوء الإجراءات المالية بالمملكة خلال الأشهر الستة الماضية، بل أنها تطورت نحو الأفضل ضمن مسار الإصلاح والبناء الذي يسير على قدم وساق. هذا المسار الذي سعى ويعمل على قطع دابر الفساد والعمولات وترسية العقود والمشاريع خارج النظام بدون مراعاة للمصالح الوطنية ووقف نزيف الثروات المهدرة إلى خزائن الشركات الأوروبية وغيرها الفاسدة. ففقدت تلك الشركات الأوروبية وسياسيوها الداعمون لها الوعي، وأضمروا الشر تجاه المملكة التي تقف حصنا منيعا بالدفاع عن العروبة والإسلام. ومسار النماء السعودي هو أيضا سعى ويعمل على اقتلاع جذور الأخوان المسلمين في المملكة وأفكارهم التي عملت على اختطاف الدين الإسلامي الحنيف وتطويعه لخدمة أهدافهم السياسية الدنيئة، فكشروا بالشر عن أنيابهم تجاه المملكة هم وحلفائهم. فتجلت الميكافيلية بأوضح صورها بتحالف الاضداد. حيث انبرى الاتحاد الأوروبي يوجه اتهاماته وإساءاته جزافا للمملكة من جهة، ويأوي جماعة الأخوان المسلمين ويعينهم على الكيل بالسوء منها، فالغاية تبرر الوسيلة.
وقد أورد النائب البرلماني والكاتب الصحفي، عبدالرحيم علي، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط خلال لقاء في باريس بتاريخ 24 اكتوبر 2018، نشرته جريدة اليوم السابع، «إن جماعة الأخوان المسلمين أصبحت تسيطر في القارة العجوز على أكثر من 500 منظمة، 250 منها فقط في فرنسا. كما تتمتع بقدرات مالية ضخمة، يقدرها بعض الخبراء الماليين بعشرين مليار دولار، ثلاثة منهم في فرنسا وحدها، تأتي جميعها من عائدات الذبح الحلال والتبرعات الخاصة ببناء المساجد إضافة للتبرعات السرية التي تأتي في حقائب دبلوماسية من دول (معروفة) لتدريب وتجنيد المهاجرين. فلماذا يسمح الغرب باحتضان هؤلاء الأشخاص ويسمع منهم ويعطيهم الحق في ترويج أفكارهم على الأرض بما يساعدهم على تجنيد الشباب وفق الأفكار التي تنفي وتقصي وتدعو لقتل الآخر؟ ولماذا توجه الأموال إلى حق التظاهر والإضراب وحق وجود انتخابات ديمقراطية؟ ولا توجه للتعليم لكي نعلم الأجيال تعليما حديثا لكي تستوعب فكرة الديمقراطية والحداثة؟ ولماذا لا توجه إلى الصحة التي بها الكثير من الإهمال في العالم الثالث؟».
واستكمالا للتساؤلات العديدة التي طرحها النائب عبدالرحيم علي، أود أن أطرح أيضا من جانبي التساؤل التالي: أليس من الواضح أن القائمة الأوروبية السوداء هذه تعكس لنا جليا المساعي المعتادة للاتحاد الأوروبي للابتزاز باستغلال سياسة التناقض وازدواجية المعايير بخصوص مكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان؟
فلا يخفى عن الجميع، أن ما قام به الاتحاد الأوروبي ويقوم به غيره من دول الغرب تجاه المملكة والدول العربية والإسلامية الشريفة، هو جزء من حملة منظمة تتبادل الأدوار فيها أطراف عديدة، لخلق ضغط متواصل ديني وسياسي واقتصادي واجتماعي، لكي تتوقف عن إكمال مسارها التوعوي والتنموي الذي أضر بمصالحهم السياسية والاقتصادية الملتوية الغير شريفة.
لذلك أرى أنه لزاما على منظماتنا الإقليمية كالجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي أن تدرك خطورة المرحلة الراهنة التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية، وأن تفعل آليات عملها وفقا للتطورات المتسارعة على ساحة العلاقات الدولية. وفي هذا الصدد أدعو كل من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لإصدار تقارير دورية تتضمن قائمة سوداء بأسماء الدول التي يصدر عنها مناهضة لحقوق الإنسان والعنصرية وازدراء للدين الإسلامي، أو التي تقوم بإيواء ودعم وتوفير إمكانات الاتصال من أراضيها لأفراد وجماعات يروجون لأفكار إرهابية في العالم، أو دعائية مغرضة ضد استقرار الدول العربية وكيان الدين الإسلامي. فمنطقتنا هي الأكثر معاناة من هذه الشرور، وبالتالي نحن الأولى بإصدار التقارير والقوائم عن قضاياها.
وأدعو أيضا كل من البرلمان العربي ورابطة العالم الإسلامي أن يبادرا إلى تعيين مقررين خاصين من جانبهما عن تجاوزات حقوق الإنسان والعنصرية وازدراء الأديان ودعم الإرهاب في الاتحاد الأوروبي ودوله.
وختاما، كم تمنيت لو أن وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي، اللذان لا أشك مطلقا بقدراتهما، بذلا جهدا أكبر في تسوية وحل الجزئيات البسيطة المتبقية لحصول المملكة على العضوية التامة في مجموعة العمل المالية (فاتف)، لقطعنا السبيل على المغرضين الذين يحاولون النيل بالسوء من المملكة العربية السعودية.
والله ولي التوفيق ،،،