د. خيرية السقاف
«إن عجائب القرآن أطرن نومي»، مقولة نقلها «وهيب بن الورد» عن رجل سُئل عن عدم نومه ليلاً، فأجاب بذلك..
ويقيناً جميعنا يعلم بأن النوم «يطير» من العين، ويهرب، ويجافيها، ولا يأتي حين يُشغل أحد اثنين في الإنسان، قلبه، وعقله بشغف يطغى عليهما، أو بمُلهِم يكتنفهما..
ولا أقوى باعثاً للشغف الطاغي، ومحرضاً للإلهام المكتَنِف، ومكتَنَزاً بالأسرار المفعمة، ومهيمناً بالقدرة الخفيّة على الإنسان من آيات الله العظيمة التي تجعل المرء في حالة من رغبة في ازدياد، ولهفة لاكتشاف، وتأمل في خشية، ومسرة في وعد، وخشية من عقوبة، وتمثّل في قصص، ومقارنة في رهبة، واطمئنان في يقين، وشعور عارم بين الخوف والرجاء، والمعرفة والتدبر، والاقتراب والخشية، والخشوع والتذلّل..
فكم يشعر المرء بين يدي الآيات العظيمة بصغره، وفراغه، وحاجته، وعدم حيلته، وبشريته، وضعفه، وجهله، وأمنيته، وخضوعه، وذله، واطمئنانه، وفقره،..
وكم يرقى عن أرض تقله، ويسمو عن جسد يلمُّه؟!..
وكيف يصد عن نفس تأمره، ويكافح ذاتاً تهيمن عليه، ويشفق على قلب يتيه فيه؟!..
ألا يهجر النوم وهي تعلو بهمته، وتمده بقوته، وتمكنه من انتصاره، وتعلو به فوق صغائره، تطهره بالدمع، وتنقيه بالخفق، وترشده بالهدى..
ألا تبلج منطقه، وتقوي عزيمته، وتشرع له الأمل في رحمة الله وهو يخاطبه، وتبسط له سبل عونه، ونجع عبادته؟..
ألم يقل أحدهم، إنه عندما يريد أن يتكلم إلى الله يذهب فيتلو آياته تعالى..؟
إن جفاء النوم في حضرة الله، بين آيات كتابه المعجز لهو انتقال من الأدنى للأعلى، ومن المشي للتحليق، ومن الفكرة للمثول، ومن الوحدة للكثرة، ومن الفاقة للغنى، ومن الذات المفردة للقرب المتجلّي..
حين تتجلّى تلاوتها تعلو كل الأصوات في الإنسان، في العروق، حيث تنبض، في السمع حيث يبصر، وفي البصر حيث يشعر، وفي الكينونة حيث يتجلّى نور الله من مشكاةِ مصباحِ زجاجةِ الكوكب الدري الموقَدِ من شجرته المباركة..
أوَ بعد ذلك يطيب النوم، والعجائب تترى، والمثول في حضور أنوارٍ منزَّلة مقدسة؟!
ما أسعده ذلك الرجل الذي لم تكن تطيب له راحة المنام..
وما أسعد كل الساهرين مع الأنوار التي تتجلّى، وعليها يبصرون..