د. حمزة السالم
استلم روزفلت الرئاسة في عام 1933، واستطاع خلال أول سنة من رئاسته وضع سياسات عملت على إيقاف تدهور الاقتصاد الذي بدأ في عام 1929، ثم استطاع، بعد عام من ثبات الاقتصاد، إعادة النمو أي في عام 1934م، ثم وبنهاية عام 1936م تعدى الاقتصاد الأمريكي مستوياته التي كان عليها قبل الكساد، أي تعدى مستويات عام 1929.
والنمو يأتي بالتضخم لا محالة، (هذا إن لم تدخل عوامل أخرى تخفف من التضخم أو تعكسه في أحياناًً نادرة، كانخفاض شديد للطاقة وكالإجراءات التي قامت بها تركيا في نموها العقد الماضي). ولكن الاقتصاد الكلي أيام روزفلت لم يكن معلومًا آنذاك، حتى أن مؤشر الاقتصاد «الناتج المحلي» وُلِد مع إصلاحات روزفلت، الذي طالب الاقتصاديين بعمل مؤشر دقيق للاقتصاد.
ولعدم توافر علوم الاقتصاد الكلي آنذاك، أخاف التضخم -الذي صاحب نمو الاقتصاد - مستشاري روزفلت، فألحوا عليه بالتوقف في الدعم والإنفاق الحكومي، فقرر حذف الإعانات والمشاريع العامة بحجة موازنة الميزانية. وكان اتخاذ هذا القرار عام 1937م مبكرًا جدًا، (فهو كمن شافى عنينًا وأصلح زوجه العقيم فحملت بجنين، أخذ ينمو كأحسن ما يكون نمو الحمل، ثم لما كبر بطن الأم وثقلت بالحمل قام فأجهض الجنين قبل اكتمال نموه، فخرج خداجًا ضعيفًا قابلاً للهلاك).
فوقعت النتيجة الحتمية لقرار روزفلت، فدخل الاقتصاد الأمريكي في انحسار متواصل لتسعة أشهر في عام 1938م والذي اسماه الجمهوريون كساد روزفلت، حتى انخفض الإنتاج والأجور 30 %.
فاختلف المستشارون بينهم بعد ذلك في المواصلة بضبط التضخم، أو الرجوع للضخ الحكومي، والاستمرار في المشاريع الكبرى.
وقد مال روزفلت مع المستشارين الأحرار، وطالب الكونجرس بضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد، وأعاد البرامج العمالية والإنشائية والاجتماعية كلها، كما طبق على مستوى فدرالي -لأول مرة- الحد الأدنى للأجور وتحديد عدد ساعات العمل. فتوقف انحدار التسعة الأشهر وعاد النمو.
واجتاح هتلر بولندا، سبتمبر 1939م، فأدرك روزفلت أن الحرب ستلحق أمريكا ولكنه أضمر هذا علنًا -لإجماع أمريكا على رفض التدخل في الحرب- وعمل سرًا بمقتضيات إدراكه بحتمية الحرب، فبنى الجيش الأمريكي، الذي كان آنذاك حثالة متهالكة بالية. وأعار البارجات الأمريكية القديمة لبريطانيا بأمر من عنده، رغم رفض الكونجرس. وطلب من الكونجرس الموافقة على بيع بريطانيا خمسين ألف طائرة، فسخروا منه، فقد كانت الطلبية عشرة أضعاف المقدرة الإنتاجية الأمريكية. ولكن روزفلت أقنعهم بقدرة الشعب الأمريكي على إنجاز المعجزات، فقد كان واثقًا من قومه قريبًا إليهم، متى خاطبهم هرعوا لتنفيذ مطلبه.
وفعلاً نزل كل قادر على العمل للمصانع، وتحولت مصانع السيارات لمصانع طائرات ومدرعات، وأنتجت الخمسين ألف طائرة، بل وأنتجت كميات هائلة من معدات الحرب.
ودخل الاقتصاد في حالة نمو غير مسبوقة، فأمريكا كلها تعمل في الإنتاج، وبضعف ساعات العمل.
ومع انشغال روزفلت بالحرب، أهمل ابتكاراته لبرامج الإنتاج المحلي، فلما كُلم في هذا، قال: «أنا اليوم دكتور النصر في الحرب وليس دكتور الصفقات الجديدة».