فهد بن جليد
لم أعد أرى بأنَّ الانشغال بالهاتف أثناء الحديث مع الآخرين أو الجلوس معهم أو حتى الانتظار في الأماكن العامة عادة سيئة -برأيي- أنَّنا أمام حالة مرضية مُتفشية بشكل كبير وتحتاج علاجًا، تناول الهاتف لا إراديًا وفتحه والإبحار في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ومُشاهدة المقاطع وربما التأثر بها ضحكًا أو استغرابًا، والانسلاخ من الحديث الدائر أو ما يتم النقاش حوله وتفقد الرسائل البريدية والواتس آب وغيره دون أن يكون المقام مُناسبًا مسألة سلوكية تحتاج وقفة تأمل ومراجعة، فالمسألة فيما أعلم تطوَّرت لتطول قاعات الاجتماعات وداخل المساجد قبل إقامة الصلاة، بل قد شاهدت بأم عيني إمامًا في المحراب بعد فراغه من الصلاة وجلوسه قليلاً أدخل يده في جيبه وأخرج هاتفه ليتصفحه، قبل أن يدرك أنه أمام المُصلين ليُعده مرة أخرى على عجل، ذات الحالة تحدث مع الطبيب والسائق والخباز والعامل في المطعم، مُعظم الناس بكل مستوياتهم وطبقاتهم تتعامل مع الأمر بطريقة -لا إرادية- وهذا أمر مُحزن يعني أنَّنا أمام حالة مرضية أكثر من كونها عادة سيئة يجب التخلص منها.
أغرب المواقف التي نعيشها مع هذه الحالة المرضية، عندما يدخل شخص إلى المجلس ويسلم على الحاضرين ويرحبون به، وبمُجرد جلوسه يخرج هاتفه من جيبه ليتفقده ويتصفحه وهو يتبادل الترحيب مع الآخرين، لا أفهم هنا هل هذا الشخص جاء بالفعل للجلوس والحديث مع الناس وزيارتهم في هذه المناسبة أم لا؟ والأكثر ألمًا عندما يشتكي الطفل لوالده ووالدته وينشغلان عنه بالهاتف في أمور غير مهمة ولا يُلقيان له بالاً، ومثل ذلك الطبيب وغيره ممن يستمع لشكوى المريض وهو مشغول بالإمساك بالهاتف.. والصور كثيرة.
علميًا وبحسب موقع Bustle الانشغال الدائم بالهاتف أثناء التجمعات مع الآخرين إحد ى العلامات الـ9 لعدم الثقة بالنفس، وفقد مهارات التواصل والاحتكاك مع الآخرين، هناك تأثير سلبي على علاقاتنا الاجتماعية جراء الانشغال بهواتفنا عمن حولنا، المسألة تُشبه من يريد الهروب من محيطه الذي هو فيه، الأمر يتطور في كل المجتمعات والتقدير يبقى شخصي لكل إِنسان ومحيطه، والمستقبل يقول إنَّه مرض قادم ومُتلازمة سيتم تصنيفها حتمًا.
وعلى دروب الخير نلتقي.