حمد بن عبدالله القاضي
ضم شتات عطاء الرواد المنشور في كتب توثق إنتاجهم وتحفظه وتطلع الأجيال القادمة عليه أمر بالغ الأهمية ومطلوب لكي يصوغ على مدى الزمن ولا يضيع «فيض عقولهم» الذي سخروا له فكرهم ووقتهم من أجل بلورته عطاءً مشهوداً.
ومن المبهج أن عدداً من أبنائنا ومؤرخينا وثقوا بأنفسهم مسحاً من منتجهم الفكري والكتابي وتولوا ذلك هم بأنفسهم أو تصدى لإصدارها محبوهم سواء من مريديهم أو تلامذتهم أو أبنائهم وبناتهم.. لذا وجدنا الآن نبض أقلامهم بيننا مطروحة لمن وجد أن يقرأها أو يرجع لها، كالعلامة حمد الجاسر والرائد عبدالله بن خميس وغازي القصبي والشاعر محمد حسن فقي والمؤرخ محمد حسين زيدان والأديب عبدالله الحقيل وغيرهم.. رحم الله من رحل وحفظ من بقي.
وقد أبهجني عندما اطلعت مؤخراً على تلك الكتابات والموضوعات التي كان ينشرها بصحافتنا الكاتب الكبير، فضلاً عن مشاركته بتنمية وطنه مسؤولاً ببدايات منظومتنا التنموية ثم رجل أعمال أسهم بإنجاز الطرق، تماماً كما شارك بعطاء الحرف عبر الورق.
لقد كنت في زيارة للشيخ عبدالرحمن الشثري بجلسته الأسبوعية، وعندما خرجت من الجلسة لحقني ابنه الصديق هشام الشثري، الذي يعرف احتفائي بعطاءات الرواد من مثقفي وطننا وذلك من خلال تناول ذلك بكتاباتي وعرض لبعض كتبهم للتعريف بها وبلورة ما بحوزته أمام القراء.. وقد سألني هشام هل اطلعت على كتاب ضم مقالات الراحل أ. عبدالله القصبي؟.. فأجبته بالنفي؛ فما كان منه إلا أن طلب مني الانتظار قليلاً وإذا به يأتي بهذا الكتاب.. «رحلة قلم».. لمؤلفه الراحل الأستاذ الرائد عبدالله القصبي -رحمه الله-، فطلبت منه أن يعيرني إياه فرحب ووضعته على مكتبي حتى أجد وقتاً لأرحل عبر حروفه.
وقد قضيت معه أوقاتاً ممتعة ببعض الليالي أطوف بين موضوعات «رحلة قلم» وقد لمست التقدير لعطاء المؤلف عبر آراء ثلاثة رواد بوطننا د. عبدالعزيزالخويطر، د. غازي القصيبي وعبدالله مناع؛ حيث ثمنوا قيمة محتوى هذا الكتاب وما ضمه من مقالات، كما ثمنوا ريادة مؤلفه الذي ظل يخدم وطنه حتى انتقل لجوار ربه -رحمه الله-.
وكم توقفت عند مقولة د. الخويطر عن المؤلف بمقدمة الكتاب بـ«أنه من جيل وجَّه سير الصحافة وجهة سليمة بأسلوب عفّ نزيه»، كما وصف غازي القصبي المؤلف بأنه أسهم بتنوير الرأي العام، وقد أطلَّ على الساحة الإعلامية بنكهة مختلفة.
وتحدث عنه د. عبدالله مناع الذي كان رئيساً لتحرير مجلة اقرأ، وكتب الراحل عنده كثيراً من مقالاته التي احتضتنها هي وصحيفة المدينة.. وقد قال عنه المناع: «بأن مقالاته كانت شجاعة، ولكلماته مذاق خاص ينفرد بها عن أقرانه».
إن من يقرأ موضوعات الكتاب يجدها تتمحور حول ثلاثة محاور.
الأول: حول وطنه ونمائه وقضاياه عبر عشرات المقالات، التي تخضَّبت بحسه الوطني.
الثاني: هموم أمته العربية التي تحس بالألم بين سطوره وهو يكتب عنها وعن قضيتها الكبرى فلسطين، ويا ترى ماذا سيكتب لو رأى الآن هموم أمتنا وأوضاع شعوب العرب «الذين بنوا من الدموع خياماً» شجناً على تمزقهم وتنمّر الأعداء عليهم؟.. ذلك «الخريف» الذي دمر أوطانهم وشتت أبناءهم، ثم أخيراً: جبروت عدوهم إسرائيل بجعل القدس عاصمة لها؟.
المحور الثالث: أطروحاته الاقتصادية المدعومة بالمعلومة والأرقام، ولعل قيمة هذه الموضوعات بالشأن الاقتصادي أنها لم تأت من وحي تنظير، بل عن معايشته ومشاركته بهذا الشأن، فعرف عراقيله وفهم المكونات التي تدفع اقتصاد وطنه للمزيد من النماء.
ويتميز أسلوبه -رحمه الله- بجمال الأسلوب، ومقالاته بسعة التفافة وبثراء المعلومة، وبطرح أفكار نابهة وبخاصة فيما يتعلق ببناء وطنه ببواكير نهضته وتحضره.
ومن خلال رحلتي بين أشجار موضوعاته وجدتها متنوعة شاملة تتطرق لكافة القضايا المحلية والعربية ما بين نقد اجتماعي وتحليل سياسي ورؤى اقتصادية.. وكان الرابط الجميل بينها هو ما تحس به.