«الجزيرة» - سفر السالم:
أعربت المملكة عن أسفها لإعلان إدراجها ضمن القائمة المقترحة للدول «عالية المخاطر» في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، الصادر من المفوضية الأوروبية يوم 13 فبراير 2019، الذي يأتي رغم إقرار المملكة عديدًا من التشريعات والإجراءات ذات العلاقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بهدف الحد من المخاطر المرتبطة بتلك الجرائم.
كما أكدت المملكة من جديد التزامها القوي بالجهود العالمية المشتركة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، التي تتعاون فيها مع شركائها وحلفائها على الصعيد الدولي.
إن المملكة العربية السعودية، وهي شريك أساسي في التحالف الدولي ضد التنظيم المسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وتقود مجموعة عمل مكافحة تمويل داعش، إلى جانب الولايات المتحدة وإيطاليا، قد أقرت ونفّذت خلال السنوات الماضية عديدًا من القوانين والإجراءات التي تهدف إلى مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والتخفيف من المخاطر المرتبطة بها.
وقد أشاد تقرير التقييم المتبادل حول المملكة، الذي نشره فريق العمل المالي (فاتف) في سبتمبر 2018، بمستوى التزام السعودية بتوصيات المجموعة. وأوضح تقرير فاتف أن إجراءات المملكة الوقائية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب قوية ومتينة.
كما أكد أن لدى المملكة إطارًا قانونيًا وإجراءات تنسيقية لتنفيذ العقوبات المالية المستهدفة التي تفرضها الأمم المتحدة دون تأخير.
وقال وزير المالية، محمد الجدعان: «إن التزام المملكة العربية السعودية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب يعد أولوية إستراتيجية وسنستمر في تطوير وتحسين أطرنا التنظيمية والتشريعية لتحقيق هذا الهدف».
وتابع وزير المالية بالقول: «إن إعلان المفوضية الأوروبية عن إدراج المملكة ضمن القائمة المقترحة للدول عالية المخاطر في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، سيمر بمرحلة التصويت في البرلمان الأوروبي قبل أن يكون نافذًا».
كما وجّه وزير المالية دعوة للمسؤولين في المفوضية الأوروبية وأعضاء البرلمان الأوروبي لزيارة الرياض والاطلاع على الجهود المستمرة والمبادرات التي تقوم بها المملكة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. كما أكد أن المملكة ستستمر في التواصل مع المفوضية، وتتطلع إلى حوار بنّاء مع شركائها في الاتحاد الأوروبي للإسهام في تعزيز ودعم آليات مكافحة غسيل الأموال والإرهاب على الصعيدين الدولي والإقليمي.
من جهته، قال فضل البوعينين، محلل اقتصادي مصرفي: بداية يجب أن أشير إلى أن مجموعة العمل المالي هي المرجعية الدولية في كل ما له علاقة بالتشريعات والرقابة والتقييم والقوائم ذات العلاقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب؛ حيث أشارت في تقريرها الذي نشرته في سبتمبر 2018، بمستوى التزام السعودية بتوصيات المجموعة. وأكد التقرير أن إجراءات المملكة الوقائية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب قوية ومتينة وبالتالي حصلت المملكة على الإشادة من المرجعية العالمية؛ ما يجعلني أؤكد أن إجراء الاتحاد الأوروبي لا علاقة له بأنظمة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال بل هو إجراء تم تشكيله بخلفية سياسية صرفة؛ ورغم إيماني التام بذلك إلا أن تأثير المواقف السياسية؛ بالرغم من غياب المسوغ النظامي وتعارضه مع الواقع؛ لا تقل خطورة عن الإجراءات ذات البعد القانوني المرتبطة بمخالفة الأنظمة والتشريعات؛ ما يستوجب التعامل معها وفق آلية مختلفة تحاكي بعدها السياسي أولاً؛ ثم المالي الذي أثبتت مجموعة FATF سلامة موقف المملكة والتزامها في أكثر من مناسبة.
التحرك السياسي تجاه أوروبا هو المطلوب اليوم؛ فدخول المملكة قائمة الدول»عالية المخاطر» يعني مواجهتها تبعات مختلفة في الجوانب المالية والاستثمارية والقانونية.
ويضيف البوعينين أن البيان السعودي كفيل بتوضيح خطأ الاتحاد الأوروبي؛ وسلامة موقف المملكة؛ غير أن الدول الأوروبية أكثر دراية وإطلاعًا على ذلك؛ إلا أنها استغلت قدرتها على تضمين المملكة قائمتها لأسباب سياسية صرفة؛ من أجل الضغط ومراجعة المواقف. وهذا ما يدفعني للتأكيد مرة أخرى أن معالجة هذا التحرك الأوروبي يحتاج إلى آلية سياسية في الدرجة الأولى.
ومن جهة أخرى يفترض أن من يتصدر لقضية غسيل الأموال وتمويل الإرهاب هي مؤسسة النقد وليس وزارة المالية؛ فالأمر مرتبط بالقطاعات المالية التي تعد تحت مظلة «ساما:. اعتقد أننا نخطئ في التعامل مع القضايا وفق التخصص ووفق النظرة الغربية لها.
البنوك المركزية هي المعنية عالميًا في الجانب المالي بتشريعات تمويل الإرهاب وغسيل الأموال؛ لذا يمكن أن يفهم الغرب غياب «ساما» عن المشهد تقصيرها في هذا الجانب. ويشير فضل البوعينين إلى أن دعوة المفوضية لزيارة الرياض مناسب لمعالجة الموقف الأوروبي ووقف تداعياته؛ بل يجب أن تكون المبادرة من الطرف المتضرر الأكثر حرصًا على وقف الإجراء التعسفي.
ومن هنا لا بد أن يكون التحرك على محورين رئيسين الأول المحور السياسي وهو الأهم من وجهة نظري؛ والثاني المحور المالي والقانوني؛ وهذا يجب أن يرتبط بفريق عمل تحت مظلة مؤسسة النقد المسؤولة عن ملف غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ومشاركة الجهات ذات العلاقة ومنها العدل والمالية والنيابة العامة وغيرها.
من جانبه، يؤكد محمد العنقري المحلل الاقتصادي أن المملكة تتبع رقابة صارمة في نظامها المالي واتخذت إجراءات عديدة لمكافحة غسيل الأموال كذلك مكافحة تمويل الإرهاب وكثير من التقارير العالمية والجهات الدولية أشادت بما اتخذته المملكة من خطوات ويوجد بالفعل ضوابط عالية يلمسها أي متعامل مع القطاع المالي في السعودية ولذلك لا يمكن المزايدة على المملكة بهذا الملف، فهناك دول استفادت من تجربة المملكة بهذا الملف وما حققته من نجاح.
ويشير المحلل الاقتصادي العنقري إلى أن هناك تناقضًا كبيرًا فيما اتخذته المفوضية الأوروبية والدليل أن دولاً بالاتحاد الأوروبي نفسه عارضت القرار كما ورد في الأخبار مثل ألمانيا وفرنسا كما أن وزارة الخزانة الأمريكية رفضت الإجراء واعتبرت المفوضية متسرعة به ولم تناقش الدول التي ضمتها المفوضية بهذا الإجراء ومعروف أن أمريكا متقدمة جدًا في هذا الملف ولذلك فإن الموقف الأمريكي يوضح بشكل ما أن المفوضية الأوروبية اتخذت قرارها وفق اعتبارات غير دقيقة ومتسرعة وليست ملائمة بل سيكون لها ضرر على التعاون الدولي عمومًا بما يخص هذا الملف.
وفي سياق متصل، أكد الكاتب الاقتصادي إبراهيم باحاذق أن المملكة كانت وما زالت تبذل جهودًا كبيرة في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الغرب يتخذ موقفًا ميكافيليًا متشددًا مع المملكة ومتساهلاً مع النظام الإيراني.
وأضاف أن المملكة دأبت على تأكيد التزامه بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وأن ذلك يعد بمنزلة أولوية إستراتيجية، وأنها مستمرة في تطوير وتحسين الأطر التنظيمية والتشريعية من أجل تحقيق الهدف المبتغى. وأشار باحاذق إلى أن التحسن الكبير في تطبيق المعايير الصارمة في التعاملات المالية يسهم في كبح جماح الأعمال غير المشروعة، وهو ما نجحت فيه المملكة بدرجة كبيرة خلال السنوات الماضية، وأدت هذه الخطوات التي بلغت مراحل متقدمة أثرًا بالغًا ومهمًا في تجفيف منابع الإرهاب.
وأكد أن الحوكمة العالية التي تضبط إيقاع مفاصل الاقتصاد السعودي بكافة قطاعاته، سمة تميز اقتصاد المملكة عن كثير من الاقتصاد، وذلك رغم التحديات الجسيمة التي تحيط بمنطقة من أصعب المناطق في العالم.