د. عيد بن مسعود الجهني
حب الوطن فطرة الله التي فطر الناس جميعاً عليها لا تبديل لخلق الله.
على أرض الوطن يشعر الجميع بالأقدام الراسخة التي تتحدى كل أمر عسير.
وأحب الأشياء إلى النفوس وأقربها إلى الأفئدة هي الأوطان..
الوطنية يتجلّى بها المواطنون جميعاً
الوطنية في معناها الواسع تتسع لمفاهيم عديدة
الجنسية بالمعنى القانوني والنظامي هي علاقة مباشرة بين المواطن والدولة.
الوطنية تعني أن تسود العلاقات الطيبة بين كل أفراد المجتمع.
أن يسود التعاضد والتلاحم والتكاتف صفاً واحداً كأسنان المشط بينهم في المنشط والمكره.
يحملون حب الوطن في سويداء قلوبهم.
يحملون فكرة الولاء للوطن بأعمق الصور، لأنه يمثّل مكانة خاصة في قلوبهم.
حب الوطن من الإيمان.. فهو المكان الذي يمنح الإنسان الإحساس بالأمان والاستقرار والعزة والرفعة والكرامة.
فالواجب الديني يفرض على الجميع الحفاظ على أمنه واستقراره وماله وثرواته والوفاء له وصيانة مقدراته.
الإسلام حرص على تكريس حب الوطن..
هذا الحب هو البوصلة التي تنير الطريق لأهل الأوطان لبناء أوطانهم وإعمارها والدفاع عنها باذلين الغالي والنفيس من أجلها.
قدوتنا في حب الوطن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم في بداية بعثته وحين هجرته.
ففي بداية نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم بغار حراء ذهب مع زوجته خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، وقصَّ عليه ما حدث معه من أمر نزول جبريل عليه السلام.
وورقة يفسر له ذلك حتى قال: (ليتني أكون حيَّاً إذ يخرجك قومك).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوَ مخرجيّ هم؟!).
قال (نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً) رواه البخاري.
الرسول صلى الله عليه وسلم قدَّم لنا درساً عظيماً في حب الوطن عندما خرج من مكة المكرمة مهاجراً إلى المدينة المنورة بكى ونظر إلى مكة المكرمة نظرة حزينة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على الحزورة فقال: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك) رواه الدارمي وابن عبدالبر.
وتروي كتب السيرة أنه لما هاجر الصحابة رضي الله عنهم إلى المدينة أصابتهم الحمى حتى بلغت ببعضهم إلى الهذيان من شدتها فقال صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ.
لقد سكن حب الوطن وتوطَّن في قلب الرسول صلوات الله وسلامه عليه رغم أنه واجهته مصاعب ومواقف شداد ومخاطر عظيمة من أهل وطنه مكة المكرمة.
وقد جاء في السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ الجحفة وهو في طريقه إلى المدينة، اشتد حنينه وشوقه إلى مكة، فأنزل الله عليه قرآنا ليطمئنه، {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (85 سورة القصص).
إذا المواطن كل إنسان ينتسب إلى بلده الذي ولد ونشأ فيه واستقر فيه وأصبح موطن أمنه واستقراره وحقه في الحياة يتحمّل أمام خالقه أمانة الحفاظ والذود عن سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه.
ولذا فإن من يقدم على مخالفة ذلك يعتبر منتهكاً لميثاق المواطنة.
هذا المفهوم الشامل للمواطنة في ظل الدولة التي تأسست طبقاً لأركان حددتها الشريعة الإسلامية والقوانين الدولية ومنها القانون الدولي العام، القانون الدستوري وتتمثّل في الشعب، الإقليم المحدد، السيادة، السلطة الحاكمة.
ولذا فنظام الجنسية يحدد الأشخاص الذين ينتمون بجنسية الدولة وآخرين تربطهم بالدولة رابطة أخرى غير رابطة الجنسية كرابطة الإقامة والتوطين ولا يدخلون في تعداد الشعب.
هؤلاء يعيشون في إقليم محدد برقعة من الأرض التي تختص بها الدولة.
هذا الإقليم المحدد لا بد له من سيادة مستقلة عن دول المنظومة الدولية، وتكتمل أركان الدولة بالسلطة الحاكمة التي تقوم على أمر الجماعة تمارس سلطاتها على المواطنين الذين يتكون منهم شعب الدولة والمقيمين على أرضها.
الوطن من صفاته الحقة الدعاء له بالأمن والأمان وزيادة الرزق اقتداءً بأبي الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (126 سورة البقرة).
القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكدان أن حب الوطن واجب شرعي.
وحب الوطن لا بد أن يتحقق بالأفعال.. وهذا الحب يجب أن لا يكون هدفه المصالح الخاصة إنما مصلحة الوطن والمواطنين.
فليس من حب الوطن الاستيلاء على المال العام لنهب ثرواته وليس من حبه إثارة الحقد والبغضاء.
وليس من حبه خيانته..
وليس من حبه إفشاء أسراره حتى لا تصل إلى عدو متربص.
فلا تعطي للسان العنان بإفشاء إسرار الدولة.
فهذه أمانة والإسلام حذَّر من خيانة الأمانة.
فالوطن فوق الجميع وخيانته تعد في ظل الشريعة الإسلامية والقوانين الدولية خيانةً عظمى.
لا يدرك قيمة الوطن إلا مَن تشبعت روحه بقيم الإسلام الذي أسس نشأة فكرة المواطنة التي أكد عليها القرآن الكريم وحدَّد الضابط لعاطفة حب الوطن والمواطنة.
ولا يدرك أهمية الوطن إلا مَن حُرم منه (غصباً) كما رأيناه ونراه من حولنا..
شعوب هجرت ديارها تحت مطرقة وسندان القهر والنزاعات والصراعات والحروب تبحث عن ملجأ يأويها.
تقطع الصحاري والفيافي والبحار والمحيطات طلباً للنجدة.
ومنهم من يُقتل ومنهم من يَغرق وآخرون من الأطفال والنساء والشيوخ وقد بدأت أجسادهم الهزيلة غير قادرة على حملهم.
الجوع والمرض والعطش تنتظرهم في كل مكان.
هذا لأنهم فقدوا أوطانهم..
فقدوا أمنهم واستقرارهم.. فبعد أن كانت لديارهم حرمتها ومكانتها.. أصبحت معتدى عليها وأخرج أهلها منها بقوة السلاح والبطش.
دول تقبلهم وأخرى تردهم على أعقابهم
فالإنسان بلا وطن سواء أكان لاجئاً أو غريباً لا يشعر بالحرية والكرامة إلا بالحياة الشريفة في وطنه الذي وُلد وعاش على أرضه.
ديننا الحنيف {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3 سورة المائدة)، من أهم مبادئه المحافظة على الوطن ومقوماته الوطنية وسيادته وأمنه واستقراره.
وطننا منبت العزة والكرامة وأرض القداسات.
منطلق الدعوة لدين الله الخالد.
أكرمنا الله جلَّ جلاله بأن جعل بلادنا مهبط الوحي وحضن مقدساته وقبلة عباده المسلمين.
قال تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا} (40 سورة التوبة)، وقال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} (144 سورة البقرة).
من على أرضه الطاهرة بزغت شمس الإسلام ليشرق على الدنيا كلها بالعطاء غير المحدود ليتسع لكل الناس بقلب مفتوح.
وطن نعيش فيه ويعيش بيننا.
والله ولي التوفيق،،،