زكية إبراهيم الحجي
تقول القصة إن جحا اشترى غطاءً يقيه شدة البرد.. وذات ليلة دخل أحد اللصوص إلى بيته وسرق الغطاء.. حزن جحا وراح يبحث عن الغطاء في كل مكان دون فائدة.. فاهتدى إلى طريقة ذكية عله يجد من خلالها غطاءه.. وكان عند جحا ثور فخرج ونادى بأن الجميع مدعوون عنده لتناول لحم الثور المطبوخ.. اجتمع أهل المنطقة حول بيته في ليلة شديدة البرودة والكل لبس أثقل ما لديه لاتقاء شدة البرد مرجحا بهم وهو يتلمس ملابسهم ومعه صحن مملوء باللحم المطبوخ.. ولكي يحتفظ بصحن اللحم لنفسه فقد كان يعتذر للمسن بأن اللحم يضره وللمريض بأن اللحم يزيده مرضاً واستمر يتفقد الجميع حتى وصل إلى أحدهم فعرف غطاءه الذي تدثر به اللص فصاح بأن هذا غطاءه إلا أن اللص هرب حتى لا يُقبض عليه.. دخل جحا إلى بيته حاملاً صحن اللحم بين يديه ومردداً «جحا أولى بلحم ثوره» وبقي هذا المثل متداولاً دلالة على أن الشخص أولى من غيره بما يملك.
تناولت المثال السابق كمقدمة للمقال لأشير بأن موقف رجب طيب أردوغان من قضية جمال خاشقجي ما هي إلا محاولة لاستثمارها لصالحه وصالح نظامه الذي ما فتئ إعلامه الكاذب يتشدق بالإنسانية وحرية الصحافة والزعم بأنه يمتلك الأدلة في قضية جمال خاشقجي وعلى غرار المثل القائل «جحا أولى بلحم ثوره» وبدلاً من حشد جهود إعلام دولته لتبني قضية صحفي غير تركي كان الأجدر ألا يتحدث عن حرية الصحافة والانتهاكات الإنسانية فهو لا يجيد استخدامها سوى ضد خصومه.. فالنهج التركي نهج قائم على قمع حرية الصحافة وتكميم أفواه الصحفيين بالاعتقال وإغلاق مكاتب صحف تنقل صوت المستضعفين في المجتمع التركي بدعوى أنها على صلة بالتنظيمات الإرهابية وداعمة له ليسقط القناع عن الأكذوبة التي تزعم أن أردوغان يرعى حرية التعبير ويدافع عن ضمير الإنسانية
عندما تكون المصالح ذات أبعاد استراتيجية نجد أن هذه المصالح سرعان ما يجري البحث عنها دون الالتفات لقيم أو أخلاقيات أو مشاعر إنسانية.. بمعنى لا مكان للإنسانية في ظل تأمين المصالح.
تقول الأمريكية «كارلوتا جال» الكاتبة في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الأمر لم يكن بالنسبة لأردوغان متعلقاً بحرية الصحافة أو انتهاكات حقوق الإنسان في قضية جمال خاشقجي بل الأمر يتعلق بسعي محموم لتحقيق المصالح والمكاسب.. واستغلال القضية جعله يغض الطرف عن الكثير من الانتهاكات التي يمارسها في دولته من خلال حملات القمع التي وقع فيها عشرات الآلاف من الصحفيين الأتراك.
أردوغان الذي يدعي كذباً وزوراً الدفاع عن الحريات والمعتقدات والإنسانية في جلِّ خطبه سيرحل إن آجلاً أو عاجلاً إلى ذاكرة التاريخ ولن يكون سوى ورقة سوداء في السجل التاريخي كغيره من أسلافه العثمانيين الذين مارسوا أقسى أنواع الاستبداد في حق كثير من الشعوب.