ياسر صالح البهيجان
إن الوسائط الحاملة لأي محتوى إعلامي، سواءً أكانت تقليديّة (الصحف، الراديو، التلفاز) أو رقميّة (شبكات التواصل الاجتماعي، مواقع الويب)، ليست مجرّد وعاء أو طريقة عرض صمّاء، وإنما تستحيل إلى جزء رئيس من المحتوى ذاته، أي أنها تحمل في حد ذاتها معاني تتفاعل بدورها مع المصطلحات المحمولة في إطار تفاعليّ يُحدث نوعًا من الانزياح الدلالي المؤثر في كيفيّة التلقّي والتأثير والتأثر.
وما دام لكل وسيلة خصائصها الفيزيائيّة الخاصّة بها، فإن لتلك الخصائص انعكاسًا مباشرًا في تشكيل أي خطاب، وتحديدًا الخطاب الإعلامي، والمتلقي لا يمكنه أن يكون بمعزل عن الخضوع لأنظمة الوسيط ما دام أنه النافذة التي يطلّ عبرها على المادة الإعلاميّة، تمامًا كإطار النافذة التي تتحوّل إلى جزء من المنظر الخارجي بالقدر الذي تتيح فيه للمشاهد إمكانيّة النظر من خلالها إلى ما هو واقع خارج حدودها الفيزيائية.
لنأخذ على سبيل المثال تحوّل بعض الأعمال الروائيّة المكتوبة إلى أعمالٍ سينمائيّة مُشاهَدة، حيث لا يمكن لكاتب السيناريو الإبقاء على النصّ بصورته الأصليّة، ولا يجد بدًا من إحداث بعض التغييرات الرئيسة خضوعًا للمفاهيم الخاصّة بالشاشة بوصفها وسيطًا بديلاً عن الكتاب، وهذه الإضافات أو التعديلات القسريّة تجعل من الوسيط صانعًا للمحتوى أكثر من كونه قالبًا يحتويه، كما أن تلك المعالجات التي تطرأ على النّص تسهم في تغيّر تجربة المتلقّي، وسنجد من قرأ الرواية بنسختها المطبوعة يشعر بأنه أمام عمل آخر يختلف عمّا قرأه أو تصوّره في ذهنه.
وبالعودة إلى العمل الإعلامي، فإن التحوّل من الوسيلة الورقيّة إلى (تويتر) بوصفها إحدى وسائل شبكات التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يتم بمجرّد نسخ الخبر ولصقه، وإنما تخضع المادة الإعلاميّة لضوابط الوسيط، ابتداءً من اختزالها إلى 280 حرفًا، وهو اختزال يلغي مفهوم الأسئلة الخمسة الرئيسية للخبر (من، ماذا، متى، أين، كيف)، لأن (تويتر) لن يستوعب إجابات كاملة لتلك التساؤلات التقليديّة في العمل الصحفي، وإنما يفرض بنية خبريّة مغايرة قد تلغي سواءً وتبقي على الآخر، ما ينعكس بدوره على طريقة تلقّي القارئ للخبر وإمكانات التفاعل معه والاستجابة له.
كما أن أجناسًا إعلاميّة كالحوار والتحقيق والتقرير لا يمكن لها أن تُكتب مباشرة في وسيلة مثل (تويتر)، لعدم قدرتها على الانسجام مع شرط «الاختزال» بوصفه ميثاقًا رئيسًا يلتزم به المتعاملون في الشبكة الاجتماعية، وهو ما يجبر الصحف على استخدام نظام الإحالة إلى صفحة خارجيّة من أجل تجاوز سلطة (تويتر)، تلك السلطة التي تفرض قوانينها بصرامة وتضمر مقولة أساسية مفادها «إما أن تقبل تأثيري في صناعة المحتوى أو ابحث عن مكان آخر يقبل محتواك».