فيصل خالد الخديدي
تعتبر الأعمال التشكيلية نصوصًا بصرية محملة بمضامين ورسائل تختلف في العمق والمحتوى وفي المجالات التي تستهدفها، فمنها ما يخاطب الرؤية البصرية ولا يتجاوز المرجحة بين مراتب الجمال بنسب متفاوتة يستشعرها المتلقي بإحساسه وبصرة دون أن تشغل مساحة أوسع من تفكيره أو تستوجب جهدًا لفك رموز العمل وتحليلاته فكرياً، ولا حتى فلسفياً، فهي أعمال شكلية تخاطب البصر والوجدان وتنشد الجمال وتحوم في حماه.
وهناك مجموعة من الأعمال الفنية الحديثة التي تشغل مساحة كبيرة من اهتمامات الفنانين الشباب، وتقام لها العديد من المعارض المعاصرة والتي تشتغل على الفكرة وتُبنى برؤى فلسفية وتصاغ لها البيانات المصاحبة التي تشي بشيء من فلسفتها وتعطي مؤشرات لمضامين محتواها, وهي نصوص بصرية مفتوحة قابلة للتأويل وتحتمل الكثير من القراءات والعديد من التفسيرات، وعادة ما تكون القراءات الناتجة لمثل هذه النصوص البصرية المفتوحة تمثل وجهة نظر المتلقي ومؤشر لمستوى وعيه وثقافته ومدى وصوله إلى فك رموز العمل وفهم الأطار العام له وهدفه واتجاهه الذي يريد أن يصل إليه الفنان، وذلك متى ما كان بيان العمل وخطابه المكتوب والمصاحب للعمل يحمل مفاتيح ورموز تتسق مع محتوى العمل, وتوافقت بنيته البصرية مع بنية خطابه اللفظي أو المكتوب وتسير في ذات الاتجاه الذي يسير له هدف الفنان من عمله وفلسفته ورسالته.
إن الأشتغال على النصوص البصرية الفكرية ذات الرسائل المفتوحة يعطي مساحة من الحرية للفنان ويستنطق مكامن الإبداع ويحفز الفنانين للولوج في مثل هذه التجارب الفكرية الثرية, وهو أمر بالغ الحساسية ويفتح المجال أيضاً لأدعياء الفن وأصحاب الأجندات المشبوهة لتمرير رسائل ذات بيانات مزدوجة وخطابات هلامية تحتمل الرأي ونقيضه وترتمي في أحضان الآخر الذي يسعى لهدم القيم والتشكيك في الثوابت من خلال الفنون كقوة ناعمة تؤثر في أجيال الشباب وتعزز الفكر المناوئ للمجتمع وتعطي رسائل سلبية عن رجعية هذا المجتمع والتشكيك في ثوابته باللعب حول أطراف المعتقدات والتقاطع مع القيم ويخرج بالأعمال الفنية من سمو الهدف ونبل المقصد إلى سوء التوجه وقصدية الإساءة... وهو ما يفضي إلى سؤال مقلق: هل حرية الفنان لا تكتمل إلا بمحاولة هدم عرى ثابتة وقيم راسخة؟؟