د. محمد بن إبراهيم الملحم
في حديثي الأسبوع الفائت عن مطالبة مجلس الشورى لوزارة التعليم مطالبات متعددة منها إعادة النظر في استراتيجية إصلاح التعليم وضرورة تقديم تقرير دوري مفصل عن حالة التعليم وفق مؤشرات أداء، رأيت اليوم أن أقدم لكم نبذة أو مثال عن مؤشرات الأداء للتعليم وكيف تصنع الجودة في الدول التي نجح تعليمها في دفع عجلة الاقتصاد، وأستشهد هنا بسنغافورة، ومع أن السنغافوريين غير سعداء جدا بتعليمهم الذي يضغط على أبنائهم بنظم الاختبارات ويطمحون إلى تعليم من نوع آخر كما تشير إلى ذلك بعض مقالات كتابهم النقدية... إلا أن تعليمهم الذي حقق مستويات متقدمة في الاختبارات الدولية والأولمبياد كما أنه قبل ذلك نهض بدولتهم في الستينات والسبعينات الميلادية لتنافس ضمن الاقتصاديات العالمية ليدعو إلى الاقتباس من تجربتهم الغنية و»العملية».
منذ التسعينات نصت رؤية التعليم السنغافوري على أن التعليم هو لأجل «مدارس مفكرة وشعب متعلم» Thinking Schools, Learning Nation وهذا يعني الاهتمام بالتفكير المستقل والإبداعي لطالب المدرسة (مدرسة تفكر) وكذلك نشر مبدأ التعلم مدى الحياة لبقية أفراد المجتمع (شعب يتعلم) ومن هنا كانت العملية التعليمية ليست المدرسة فقط وليست وزارة التعليم فقط كما تنظر إليها كثير من الدول مع الأسف، بل التعليم مهمة وطنية تعنى بها كل مؤسسات الدولة، وقد حددت وثيقة منشورة 2015 أربع مخرجات تطمح لها وزارة التعليم السنغافورية، من الجميل أن تنعرف عليها، وهي أن يكون الطالب:1) ذا شخصية اجتماعية جيدة (واثق، مرن، عادل في أحكامه ويفكر باستقلالية الخ) 2) قادرا على التعلم ذاتيا ويطرح الأسئلة 3) مبادرا ويعمل بنجاح ضمن فريق 4) ذا مواطنة ووعي حضاري ومتعايش مع الآخرين. إنها أربع طموحات فقط ولا يوجد كثير من السرد والحشو.
وقد سردت الوثيقة مؤشرات الأداء الرئيسة KPIs والتي لم تزد عن خمسة فقط وهي: 1) تعليم مرموق دوليا 2) التعليم النوعي يكون بتكلفة ممكنة للجميع 3) هيكل نظامي جيد لمراحل التعليم 4) معدلات نجاح جيدة عبر مستويات الدراسة والجامعة 5) التحاق الطلاب بمؤسسات المجتمع المدني كمساهمة وطنية. وهناك تفاصيل توضح أكثر عن طبيعة كل مؤشر بيد أن هذه المؤشرات المحدودة كانت كافية للسنغافوريين ليطمئنوا على تعليمهم، نحن لدينا أكثر من هذا النص بكثير فهناك تفاصيل وشمول لكل الجوانب التي يمكن أن تمس التعليم، ويبقى العمل والإنجاز. عندما نتأمل في كل واحدة من هذه المؤشرات الخمس أو في المخرجات أو الطموحات السنغافورية الأربع قبلها نجد أننا فعلا بحاجة إلى توفرها في أبنائنا الطلاب اليوم، ونرى في تحقق كل منها سببا مهما لنجاح اقتصادنا الوطني من خلال رأس المال البشري كما حدث لدى سنغافورة. طبعا يجب أن ننتبه إلى أن وجود مؤشرات أداء لا يعني كل شيء، فمن السهل أن تؤلف مؤشرات أداء مقنعة، ولكن مشكلة عملية القياس بعد ذلك احتياجها إلى فهم عميق وشفافية ودرجة عالية من المسئولية والمحاسبية خاصة في حق المقيمين، فمؤشرات الأداء المبهرة التي تعرض كنتيجة نهائية (المستوى الأعلى من القياس) لن تنتج مقاديرها الكمية إلا من خلال تفريعات تخدمها أدوات قياس مليئة بالأسئلة التي تحتاج إلى إجابات دقيقة وحقيقية وهذا يعني ضرورة تأهيل المقيمين وتحييدهم. هل لدينا هذا المستوى من المقيمين المؤهلين؟ وهل لدينا جهة محايدة فعلا لتطبيق مثل هذا القياس؟ وهل لدينا مؤشرات أداء للتعليم (سواء لدى هيئة التقويم أو وزارة التعليم)؟ لا أعلم ... فلا يوجد شيء منشور على مواقعها، ولكن ما وجدته منشورا عبر مواقع هنا وهناك وسمعت عن تطبيقه هو مؤشرات الأداء الخاصة بالإشراف التربوي (تسمى منظومة قيادة الأداء الإشرافي) وهذه تختلف عن سياقنا اليوم فهي منهج إشرافي جديد استخدم مؤشرات الأداء KPIs كأدوات «رقابية» لضمان تحقيق العمل ربما نتحدث عنها لاحقا بإذن الله.