د. يوسف بن طراد السعدون
غرد عضو الكونجرس الأمريكي براد شيرمان، في تويتر بتاريخ 8 فبراير، قائلاً «التقيت مع د. العيسى الذي يرأس رابطة العالم الإسلامي وحثيته على أن يستخدم دوره بالعالم الإسلامي للمساهمة على الأقل في إلغاء عقوبة الإعدام بحق الزناة أو من يسيئون للذات الإلهية والمرتدون عن الدين الإسلامي والمثليين والشاذين جنسياً. ولكن رده لم يكن مشجعاً وفقاً لما تأملونه».
وما تضمنته تغريدة عضو الكونجرس أعلاه من ازدراء وعدم احترام لمبادئ وتعاليم الشريعة الإسلامية، لم تأت جزافاً بل هي في نظري نتاج تراكمات فكرية بغيضة لدى الغرب تجاه الدين الإسلامي. وقد أشار الأستاذ إميل أمين بمقاله: «تصاعد الإسلاموفوبيا الواقع والمآلات»، المنشور في الشرق الأوسط بتاريخ 9 فبراير، إلى أنه «لم تكن الإسلاموفوبيا طرحا جديدا منذ القرون الوسطى، ذلك أن هناك كثيراً من مفكري أوروبا في الزمن القروسطي قد مضوا في تصوير الإسلام بعيداً عن حقيقته، ما أجج صدور الأوروبيين تجاه العرب والمسلمين، حدث ذلك في أوقات حروب الفرنجة كما سماها العرب. وربما عادت بعض من تلك الإرهاصات خلال العقدين الماضيين».
وأكد الأستاذ أمين ما قاله مستنداً إلى إحصائيات استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة يوجوف البريطانية. فقد تضمن ذلك الاستطلاع مؤشرات واضحة على تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا وأمريكا، حيث أفاد 72 % من عينة الاستطلاع أنهم تتملكهم مخاوف من الإسلام والمسلمين وأنهم يرون أن هناك علاقة وثيقة بين الإسلام والإرهاب.
كما أن انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل غير مسبوق عالميا خلال العقدين الماضيين لم يكن وليد الصدفة، بل هو أداة استخدمها الغرب لابتزاز الدول الإسلامية، ويندرج ضمن مصفوفة إستراتيجية عالمية خبيثة لدفع العالم الإسلامي للغرق بمسار مشابه لما عاشته أوروبا خلال القرن السابع عشر، بما يساهم في إعادة تشكيله السياسي ونشر فكر حرية العقيدة الدينية تمهيداً لاستدراج أبناء الإسلام للتحرر من مبادئ دينهم الإسلامي.
وهذا الأمر لم يعد سراً، فها هو المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما تحدث جهاراً بأن الدين الإسلامي تسلطي وشمولي يقهر ويصهر في داخله الإثنيات والقوميات ويعتبره أيديولوجية مغلقة كالشيوعية وإنه يمثل تهديدا للغرب. كما أن هنري كيسنجر وزير الخارجية السابق والسياسي والمخطط الإستراتيجي الأمريكي المخضرم، يصرح في كتابه الذي أصدره «النظام العالمي» إلى أن الشرق الأوسط يعيش وسط نزاع يشبه ما واجهته أوروبا في القرن السابع عشر من حروب دينية.
والمتأمل في واقع العالم الإسلامي الراهن يتلمس بوضوح الصورة المتكاملة لهذه الإستراتيجية الخبيثة التي تقودها الدول الكبرى، لدفع الدول الإسلامية والمسلمين نحو الهاوية ليخوضوا أحداث ما جرى بحرب الثلاثين عاماً في أوروبا خلال القرن السابع عشر، التي كانت بالمقام الأول صراعاً حول طبيعة ومفهوم الدين المسيحي، ودمّرت القارة الأوروبية وأبادت نحو نصف سكانها. ومن دلائل هذا الأمر ما يلي:
أولاً: تنحصر كافة الحروب والعمليات الإرهابية، منذ عقود، في العالم الإسلامي.. حيث نجدها ممتدة من أفغانستان إلى إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وليبيا والصومال ونيجيريا. والضحايا بالطبع غالبيتهم من المسلمين، الذين يتصارعون فيما بينهم لأسباب طائفية أو إثنية أو إقليمية، والغرب يعظم مكاسبه السياسية والاقتصادية ببيع السلاح ليتقاتل المسلمين فيه. وهذا يتشابه تماما مع ما حدث في أوروبا خلال القرن السابع عشر.
ثانياً: ساعد ترويج أفكار ومبادئ العقائد الطائفية والميليشيات والتحزبات الدينية والليبرالية المتطرفة، التي كان للغرب الدور الأكبر في انتشارها، تأجيج وتوسع الحروب في العالم الإسلامي. فالتاريخ شاهدا على الدور الأنجلوسكسوني البارز وأعوانه بالغرب، في تأسيس أحزاب الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وطالبان وباكو حرام وقيام الثورة الخمينية التي أوجدت ميليشيات حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين. والعالم الغربي يقدم الدعم والإيواء والمساندة لقيادات وأنصار تلك الطوائف والتحزبات.. واستطاعوا بذلك إثارة النعرات الطائفية والعقائدية بين أبناء المسلمين ليتقاتلوا فيما بينهم، كما كان الوضع في أوروبا بالقرن السابع عشر بين الكاثوليك والبروتستانت.
ثالثاً: تمادي حملات الإبادة والتطهير العرقي والتهجير والمناهضة العنصرية للمسلمين، كما هو حاصل في ماينمار وغيرها من الدول. ويتم كل ذلك تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي بدون أن يحرك ساكناً لإيقافها، فلا بأس لديهم في التغاضي عن مبدأ حقوق الإنسان إذا كان الأمر يتصل بالإسلام والمسلمين.
رابعاً: المساعي الحثيثة التي تقودها الدول الكبرى لسلخ أبناء وبنات المسلمين عن دينهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم بدعوى التقدم والتحرر مستخدمة كافة وسائل الاتصال والإعلام المتاحة، وتيسير نفاذ الأنشطة التبشيرية الدعوية للكنيسة المسيحية في العالم الإسلامي، وتصاعد موجات التحركات الثورية بالعالم الإسلامي على مفهوم الدين والدولة والسلطة التشريعية تماشياً مع دعوة الفوضى الخلاقة، المدعومة بقوة من القوى الكبرى تحت غطاء المناداة بحقوق الإنسان والحرية والانفتاح.
خامساً: ولاكتمال منظومة حلقات الإستراتيجية الهدامة لدفع العالم الإسلامي للانصهار في غمار مسار أوروبا بالقرن السابع عشر، تبقت أمامهم الحلقة الأهم والأخيرة، وهي قلب العالم الإسلامي المملكة العربية السعودية. فهي الرائدة في قيادة الإسلام والمسلمين وإذا ما استسلمت أو انهارت، لا قدر الله، سوف يسقط آخر وأقوى حصن من حصون الإسلام.. لذلك ليس مستغرباً هذه الحملات الإعلامية والسياسية المسعورة المغرضة من المجتمع الغربي وأعوانه المرتزقة من الدول وجماعات التطرف والتغريب والإخوان المسلمين تجاه السعودية وقادتها. فالمملكة تقف بشموخ في مواجهتهم ومنعهم من اختطاف الدين الإسلامي الحنيف. وغفل هؤلاء الخبثاء عن الأخذ بالاعتبار أن السعودية، خادمة الحرمين الشريفين، حصينة بعون الله وبقيادتها الحكيمة وبأبنائها وبناتها المخلصين وبأكثر من مليار ونصف من المسلمين حول العالم الذين يفدونها بالمال والأنفس لصد وردع أيّ تحركات معادية تجاهها أيّاً كان مصدرها.
وأمام كل هذه المتغيرات، أود التأكيد أن عالمنا الإسلامي والدين الإسلامي الحنيف يواجه اليوم منعطفاً خطيراً، ولابد من التحرك الفاعل لمواجهته وبقوة، فالعالم الإسلامي ليس في سكون موت بل هو في سكون رقاد. ومن الجدير الإشارة إليه هنا، أن هناك اختلافاً جوهرياً بين أوروبا التي ثارت في القرن السابع عشر للتخلص من تعاليم دينية فاسدة تسلطت بها الكنيسة على رقاب الناس، وبين الدين الإسلامي الحنيف الذي استمر بتعاليمه السامية نقياً يرسم منهاج قويم للحياة. ذلك المنهاج الذي لخصه المفكر الإسلامي النمساوي (ليوبلد فايس) محمد أسد بقوله: «الإسلام لم يبد لي دينا بالمعنى المتعارف عليه بين الناس لكلمة الدين، بل بدا لي أسلوباً للحياة، فهو ليس نظاماً لاهوتياً بقدر ما هو سلوك فرد ومجتمع يرتكز على الوعي بوجود إله واحد. والإسلام وفّر حافزاً قوياً للتقدم المعرفي والثقافي والحضاري، فقد حدد بوضوح: نعم للعقل ولا لظلام الجهل، نعم للعمل والسعي ولا للتقاعد والنكوص، نعم للحياة ولا للزهد والرهبانية.. والإسلام هو من خلق عظمة المسلمين وبمجرد أن تحول إيمانهم إلى عادة وابتعد أن يكون منهجاً وأسلوباً للحياة خبا وهج الحضارة الإسلامية».
كما أن عزة وشموخ الأمة الإسلامية تقوم على تمسكها بقيم الكرامة والرحمة والصدق التي رسخها الدين الإسلامي الحنيف. ولكن أين هي من ذلك اليوم؟.. بكل ألم كادت تتلاشى مكارمها بالابتعاد عن التقيد بالمنهاج الإسلامي للحياة وضعفت بالتشرذم والفرقة وتمزق الأوطان واقتتال أبناؤها، مما يسر على أعدائها تحقيق مأربهم. وهذا ما يستدعي تأسيس مركز إعلامي إسلامي دولي تستضيفه المملكة العربية السعودية برحاب طيبة الطاهرة، بجوار النبي المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام، يكون هدفه تقوية عرى التضامن والتعاون الإسلامي أمام التحديات التي يواجهها عالمنا الإسلامي، وبلورة خطة عمل إعلامية توضح المنهاج القويم للدين الإسلامي لتحطيم المخططات الهدامة تجاه الإسلام والمسلمين. فالكراهية بين أبناء البشر هي نتاج لسوء أو عدم الفهم. وهذا يؤكد ما أشار إليه الأستاذ أميل أمين بمقاله المشار إليه سابقاً في «أن نحو 59 % ممن شملهم البحث في فرنسا، 63 % في ألمانيا، اعترفوا بأنهم لا يعرفون شيئاً عن تعاليم الدين الإسلامي». لذلك يتوجب على عالمنا الإسلامي تنفيذ نشاط إعلامي دولي لتوضيح (وليس تبرير) الدين الإسلامي.. مع أهمية التأكيد على ضرورة ألا يكون ذلك النشاط عبارة عن ردة فعل لحملات معادية وتقديم مبررات توضيحية لما نؤمن به من منهاج قويم للقيادات السياسية في الغرب، بل أن يوجه نحو القواعد الانتخابية لهؤلاء السياسيين فهم الأهم والأجدى بالحوار. وأيضاً من المهم أن لا تتولى الأجهزة الرسمية تنفيذ هذا النشاط الإعلامي، بل يجب أن تقوم به المؤسسات التعليمية والمنظمات غير الحكومية والمجتمعات الشبابية الإسلامية، لضمان تحقيق الهدف المنشود.
ختاماً، من الضرورة أن يتحرك المجتمع الإسلامي ممثلاً بمنظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والمنظمات الحقوقية الإسلامية لرفع قضايا ازدراء الأديان، تجاه براد شيرمان وأمثاله، في المحاكم الدولية المختصة استناداً لما كفلته القوانين الدولية من حقوق بهذا الشأن.. فإن لم يردع عالمنا الإسلامي بقوة أمثال هذه الأقوال والتصريحات والأعمال، سوف يستمر السفهاء في تجاوز أدبيات السلوك وعدم احترام الدين الإسلامي ومشاعر المسلمين.
والله ولي التوفيق،،،