خالد بن حمد المالك
في يومين لم يهدأ أو يستريح سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، فمن العلا، حيث كانت (رؤية العلا) أحد المشاريع الأكثر طموحاً في العالم، والتي تهدف إلى الحفاظ على التراث الطبيعي والتاريخي والثقافي على المستوى العالمي عبر ثلاث مبادرات بارزة عالمياً، وحيث حرص سموه بوصفه رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية للعُلا أن يدشِّن بنفسه هذه الرؤية بالحضور والرعاية، إلى قيامه بتدشين ميناء الملك عبدالله في رابغ الذي يشكِّل نقطة جذب للتبادل التجاري بين آسيا وأوروبا، وموقعاً جغرافياً يربط أسواق المنطقة.
* *
في العلا وقفنا على ما لم يكن في أذهاننا، فكل جبل وحجر يحكي عن قصة وتاريخ، وكل مشهد رأيناه أعادنا إلى التاريخ عن جزء مهم من الوطن، ومع كل علامة أو خط كتب على هذا الصخر أو ذاك، كانت الصورة تبدو أمامنا أكثر بهاءً وإشراقاً، وتتحدث عن مخزون تراثي مهم تمتلكه المملكة ضمن التنوّع في ثرواتها التراثية من منطقة لأخرى، بما جعل المملكة موعودة باستثمار هذه القيمة التراثية المهمة سياحياً واستثمارياً، الأمر الذي يفسّر لنا هذا الاهتمام من ولي العهد ليس بالمحافظة على هذا الذي رأيناه، وإنما تطويره، وتحسين البيئة التي توجد فيها هذه الكنوز الأثرية، واستثمارها كبيئة جاذبة للزيارة، لتكون بالتالي مصدراً من مصادر الدخل القومي في المستقبل.
* *
في رابغ تحدث من تحدث خلال حفل التدشين لميناء الملك عبدالله، فاعتبروه منصة لوجستية تسهم في استقطاب الاستثمارات بكافة أنواعها، وزيادة حصة المملكة من التجارة العالمية، فالموقع الإستراتيجي للميناء سيتيح له الإسهام بفاعلية في النمو الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية للمملكة، بل ولمنطقة الخليج، فهناك جسر بري -جوي سيتم إنشاؤه، وهو ما يعني الربط ما بين قطاع الموانئ وقطاع المطارات بحجم تجارة بينية يصل إلى 10 مليارات ريال عند 2030، أي أننا أمام فرص تاريخية لتنويع مصادر الدخل، وعدم الاكتفاء بما تصدره المملكة من البترول، الذي يعد سلعة ناضبة حتى ولو طال زمن الاعتماد عليها، وهو ما يفسّر هذه الكثافة في إنشاء عدد من المشاريع الاستثمارية.
* *
في زيارتنا للعلا تلبية لدعوة (المحافظ) الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وكنا في رحلة وصفها الأمير بدر بأنها رحلة غامرة عبر الزمان والمكان، وأن من لبى واستجاب للدعوة سوف يكتشف الحضارات العديدة التي سكنت العلا، ومشاهدة الحياة البرية، والمناظر الطبيعية الساحرة في المنطقة، وهذا الوصف هو لوزير الثقافة الأمير بدر آل سعود، وما رأيناه رأي العين تطابق تماماً مع ما قاله الأمير، وزادت معرفتنا بعد جولتنا على ما أشار إليه (المحافظ) ما قيل بعد ذلك في حفل التدشين الذي حضره ورعاه ولي العهد الذي يتولى رئاسة الهيئة الملكية لمحافظة العلا، فضلاً عن الكتيبات و(البروشورات) التي زوَّدنا بها المنظِّمون لحظة وصولنا لمطار الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز في العلا.
* *
وفي رابغ، حيث ميناء الملك عبدالله، كان التدشين الأميري للميناء فرصة لإقامة احتفالية لتوقيع عدد من الاتفاقيات بين الميناء مع عدد من الجهات، لترتفع بذلك الطاقة الاستيعابية بعد توسعة محطة الحاويات إلى سبعة ملايين حاوية قياسية، تجعل منه أكبر ميناء للحاويات على البحر الأحمر، كما أن حفر الحوض الشمالي، سوف يضاعف القدرة الاستيعابية إلى عشرة ملايين حاوية قياسية، بالإضافة إلى خمسة عشر مليون طن من البضائع السائبة، والميناء هو أحد المشاريع التي تعتمد حتى الآن على أكثر من 60 % من المواطنين السعوديين في العمل فيه في جميع التخصصات، كما أن الاتفاقيات التي وقِّعت وأشرنا إلى بعضها كانت مع شركات ومؤسسات سعودية.
* *
وأثناء زيارتنا للعلا، وجدنا أننا أمام طبيعة ساحرة، وأن هناك توجهاً واهتماماً بالزوار من جميع أنحاء العالم ليروا تراثنا الطبيعي على الواقع، ومن بين ما يمكن مشاهدته هناك محمية شرعان الطبيعية، والتأمل في استحضار فن العمارة باستضافة الطبيعة، وتم فيه تصميم منتجع متناغم بشكل فردي مع موقعه المذهل، حيث تتعانق المناظر الطبيعية والتراث الإنساني، وهي رؤية اختير لها المعماري الفرنسي الأشهر (جان نوفيل) ليترجم ذلك إلى واقع ملموس، وهناك مواقع مهمة أخرى لن يتعرّف الزائر للعلا على حقيقة هذه المنطقة ما لم يزر هذه المناطق ومنها الطنطورة، والبلدة القديمة، وجبل عكمه، ومدائن صالح ومملكة دادان، وصخور العلا، وحرة عويرض، وجبل الفيل، وغيرها من المواقع التاريخية التي لم نتمكن من مشاهدتها بسبب عامل الوقت.