د. خيرية السقاف
الشاعر العربي الذي قال:
«كلُّ العداوةِ قد تُرجى مودَّتها
إلا عداوة من عاداك عن حسدِ»
قد أثبت بما قال حقيقة ما تتسم به النفوس الحاسدة، إذ في جميع مواقف الحياة بين الأفراد يكون الحسود عدوًا يتربص بمن يحسد فلا يجد ثغرة إليه إلا ولجها طاعنا، أو مغتابا، أو باهتا، أو منمَّا، ولا يتمكن منه بقوة إلا أنزل به أشد سياطها، طعنا، ووخزا، وإحباطا، وإسقاطا، وعرقلة، وتغريرا، من هنا كبر أمر الحسدة فأنزل فيهم الخالق الذي يعلم سرهم وجهرهم آياته العظيمة لتكون وجاء لمن يتحصن بها عن حسدهم: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}... {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}..
الحسد آفة تفت في نسيج العلاقات بين الأفراد، وبين الجماعات، بل يتخطى الحسد إلى مقدرات الأسر من الأبناء النجباء، وإلى الأثرياء على ما تفضل عليهم ربهم من سعة الرزق، وإلى العلماء على ما رزقهم الله من العلم وما نفع به من علمهم، وعلى المبدعين بما وهبهم الله من القدرات، والمخيلات، وألوان العطاء..
الحسد كما هو آفة هو مرض عضال، لا تنجو منه نفس إلا حين يخضعها صاحبها لنهر الاغتسال، ويوجهها إلى مصدر نبعه، ويوكلها إلى من أمد هذا النهر، وملك كل قطرة فيه، وجعله دواءً وعلاجًا، وهو خالق هذه النفس مالك أزمة سرها، ومسالك علنها، ومقبض ضميرها، وخيوط نسيجها..، وحده الله ملجأ الحاسدين حين يعترفون بمرضهم، ويعزمون على البرء منه، ومن ثم يتجهون إليه تعالى بعزم تام لأن يطهرهم منه، ويعافيهم من ضعفهم به، ويمكنهم من صحة نفوسهم، وسلامة نواياهم، وبذور حسدهم، فيتبدل حسدهم إلى حياد، أو سلام..
هؤلاء الحسدة مرضى النفوس بحسدها، هم قادة أنفسهم، الفاعلين بذواتهم..
لكن هناك حسدة على مستوى الجماعات، وعلى مستوى «الدول» من كان منهم ضعيفا وضع يده في يد من هو أقوى منه، وسخر من يطوعه لنفث سموم حسده في أجواء من يكن له..
ومن كان منهم قويا بث حسده في أشكال من السلوك، تختلف باختلاف أغراضه، وبأبجديات مصالحه..
ولعل أول النماذج لحسد الدول على مستوى مكشوف، تشير إليه البراهين، وشواهد المواقف
ما يحدث للسعودية العظمى الآن من دول صغرى وكبرى، وشعوبها المضللة، والمنتهِزة، وغاياتها الظاهرة والباطنة..
حسدٌ مضحك مبكٍ..
يدلنا عنهم إلى الصواب والخطأ، يكشف لنا عنهم الحقائق والشواهد، يوجهنا إلى الأدلة فيهم والبراهين عليهم..
وفي الواقع يعرفنا الحاسد المرتجى وده من الغابطين، والحاسد العدو الذي لا برء له من مرضه، ولا يرتجى لنا منه ودا، ولا عفوًا له منا..
حفظ الله هذا الوطن في أمان، وجعل ما بينه، وبين حاسديه سداً من مَنَعَة حفظه، وعياذه، وأزره، و نصره، وسلامه تعالى.