«وفي مستهل عام 1369هـ/1949م أي بعد عامين من تخصصي، وردت برقية من سمو وزير الدفاع والطيران الأمير منصور تستعجل عودتنا نظراً للحاجة الماسة إلينا، وقد كنا في عمل شاغل باشتراكنا في تدريب الجنود، وتهيئتهم للقتال في فلسطين (حرب 1948م/ 1367هـ) وددت لو أشترك في معركة الشرف والجهاد، وعرضت ذلك على العقيد سعيد كردي الذي كان يمثل القيادة السعودية في معارك فلسطين فوعدني خيراً...».. بهذه اللغة البسيطة والمعمقة كتب اللواء المتقاعد والشاعر علي بن عابدين زين العابدين - رحمه الله - مذكراته منذ ما سمعه عن زمن ولادته عام 1343هـ/1924م في مكة المكرمة وحتى وفاته عام 1428هـ/2007م في الرياض بأسلوب جمع بين الأدبية الراقية والتوثيق السمت المستمد من صرامة العسكرية، هذه المذكرات التي يغلب عليها الطابع العسكري نشرتها دارة الملك عبدالعزيز أخيراً في كتاب أسمته (حكاية حياتي)، بعد أن أعدّها للنشر الدكتور فهد بن عبدالله السماري. وتعود قصة هذه المذكرات إلى إسهام ابن المؤلف رضا بن علي زين العابدين وأسرته في تقديم هذه المذكرات للنشر من خلال تشرفه بمقابلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، وتسليمه لأصولها دعماً لخدمة التاريخ الوطني، في إطار تشجيع خادم الحرمين الشريفين أبناء الوطن على الاهتمام بتاريخ آبائهم وأسرهم، لأنه جزء أساس من تاريخ الوطن الذي وجه - حفظه الله - الدارة بنشرها.
تجمع هذه المذكرات بين الذكريات الاجتماعية لحياة مجتمع مكة قبل ما يقارب (100) عام وما فيه من تقاليد وعادات وتوادٍ بين فئات نسيجه، ولمحات عن الصحافة الأدبية والوسط الثقافي آنذاك في العاصمة المقدسة، وملامح من تاريخ التعليم العام بما فيه مدرسة تحضير البعثات الشهيرة، وبوادر الابتعاث إلى الخارج في عهد الملك عبدالعزيز- رحمه الله - حيث ابتعث اللواء متقاعد علي زين العابدين إلى القاهرة وتزامن وجوده مع زيارة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لمصر، ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بعثة علمية تدريبية، وكتب أخباره وملاحظاته ومجريات تعلمه في أمريكا.
كما تناول الإصدار تاريخ بعض المؤسسات العسكرية في المملكة العربية السعودية مثل إنشاء الكلية الحربية، وسلاح الفرسان، ومعهد اللغات، ومدرسة تحضير البعثات، ومدرسة الأبناء الخاصة بأبناء العسكريين، ومعلومات عن نشأة الجيش السعودي في الطائف وغيرها.
ويقدّر للمؤلف الذي تشُف أعمالة عن شخصية وطنية مخلصة توثيقه لأسماء مدرسين سعوديين وعرب في التعليم العام، والتعليم والعمل العسكريين مرّوا في حياته وأثروها، وأسماء أمراء ووزراء ومنهم الأمير مشعل بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران آنذاك - رحمه الله -، والأمير منصور بن عبدالعزيز الذي كان أول وزير للدفاع - رحمه الله - في عهد الملك عبدالعزيز، والوزير عبدالله السليمان الذي كان يرأس إدارة الجيش في بداية إنشائه، حتى أن عدد الأعلام في الإصدار وصل إلى أكثر من (250) اسماً، ويعد ذلك ثريًّا في عالم المذكرات، فضلاً عن رصد لبدايات العسكرية في المملكة العربية السعودية ثم تطور آلياتها وأنظمتها ومبادئها، ولم يخلُ الكتاب من قصص جانبية مرافقة للحدث تشف عن اتجاه فكري أو حالة اجتماعية أو وضع عسكري أو مبادئ أدبية أو مواقف طريفة عاشها المدوّن وتعكس شيئاً من سمات المجتمع السعودي.
جدير بالذكر أن دارة الملك عبدالعزيز أصدرت عدداً من المذكرات واليوميات المتنوعة لعدد من مسؤولين عملوا بالقرب من الملك عبدالعزيز- رحمه الله - أو في عهده، فنشرت مذكرات «دبلوماسية» لفؤاد حمزة، ومذكرات «تعليمية» لأحمد أسد الله الكاظمي، ومذكرات «إدارية» لناصر بن عبدالعزيز بن فهد الحميدي، ذلك أن المذكرات الشخصية تُعد «مادة تاريخية مهمة، لأنها تعكس التجارب والخبرات، وتلقي الضوء على جوانب تاريخية لا تسجلها مصادر أخرى».