د. حسن بن فهد الهويمل
قدري أنني مُغْرمٌ بِتَتَبُّع آثار الخصوم كما قصاص الأثر للوصول إلى مخابئهم، كما لا أجد غضاضة من سماع أنكر الأصوات ثقة بقومي، ومعرفة بهم.
المشهد الفكري، والثقافي، والإعلامي، والسياسي تَحَوَّل إلى ملاعب جنة، تجتاله شياطين الإنس، وتعبث بأناسيه.
وكل رويبضة نكرة، مجهولة الهوية، والهدف تزعم أنها أمة وحدها، بيدها مقاليد الأمور، والحل، والعقد، وفصل الخطاب.
والعامة المستهدفة بهذه الأصوات المجتثة، لا تعرف الصادق من الكاذب، ولكنها متخمة بالمتناقضات هائجة، مائجة كالمجانين المزدجرة.
والعدو الخائف الوجل من طرائده مشغول بصنع اللعب، وتجنيد العملاء، وشراء الضمائر، وتوظيف القدرات للقضاء على كل الإمكانيات، وأكل أموال الناس بالباطل.
والمتهافتون على بؤر التوتر كالفراش، يظنون أن الاستسلام هو السلام، وأن حسن الظن بالكل منجاة، وأن الركون إلى الذين ظلموا اتقاء مشروع.
لقد حوربت أمتنا بكل أنواع الأسلحة، واتخذت ضدها كل أساليب التوهين، والتشكيك.
وبادر المغفلون لعب الأعداء يُفَعِّلونها، حتى لكأنهم معنيون بقوله تعالى:- {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ}.
عَالمُنا مهيض الجناح، مسلوب الإرادة، مغزو من الداخل. لأن طائفة من علمائه، ومفكرية، وإعلامييه لا يزيدونه إلا خبالاً.
فمنهم من يحمل السلاح ليزهق به الأرواح.
ومنهم من يطلق الألسنة الحداد للتجريم، والتجهيل، والتخوين.
والعدو المتربص باسط ذراعيه لتوجيه السفهاء.
والمتابع للقنوات، والمواقع يصاب بالذهول، والخوف. فالغزو، والتآمر يداران باحترافية، وبراعة.
من ارتبت منه، تابعته حتى جُحْرَ بيته، سَعْياً وراء كشف أمره، وتعْرية نواياه. فمنهم من يبدو صلاحه، وإصلاحه. ومنهم من تبدو سوءاته، وعمالته. أو جهله، وانحرافه.
من أولئك من يُسَمَّى حركيًّا بـ[صلاح أبو عرفة]، ومن يسميه مريدوه بـ[الإمام صلاح الدين بن إبراهيم] ويدَّعُون إمامته للمسجد الأقصى، وتعليمه فيه، ومن يصيخون له، وكأن ما يقوله تنزيل من التنزيل.
يبدو بحركاته، وادعائه العريض للمغفلين، والمتغافلين، تقيًّا نقيًّا. كما يوهم بانتمائه القولي إنه [محمديٌّ قرآنيٌّ]. ويخدع بحماسه، وانفعاله، وغيرته أنه من المجددين للأمة أمر دينها.
لكن الواقع خلاف ذلك. وماكنت وحدي المرتاب من أمره، ولا وحدي من شك في مراميه. قد لا يكون عميلاً مجنداً، وقد يكون هذا مبلغه من العلم، لكن ما يفعله، ومايؤدي إليه قوله ضلال وتضليل، وتفريق بين المصلحين.
كنت أظن أن هذا الحركي الجلد مُصَوِّبةٌ سهامه باتجاه مثمنات المملكة، وأن إمكانياته الإعلامية موجهة لعلمائها، ولدعوتها المباركة، غير أن الرصد لأحاديثه يُثبت بما
لا يدع مجالاً للشك أنه مجند لأغرض بعيدة الأهداف، عميقة التأثير.
همه الهدم، هدم الرموز العلمية من كل المذاهب. وحين يتساقطون تفقد الأمة حضارتها، وحضورها، وتأثيرها في كافة المشاهد. وهذا هدف المشبوهين.
هناك مفكرون مجندون لمثل هذه المهمة، أذكر منهم على سبيل المثال [عبدالله القصيمي] الذي امتلك قدرات معرفية، وجدل، وحجاج بالغي الأثر، أنفقها في سبيل الهدم الفوضوي.
همه منصب على الهدم، والتشويه، ونقض المذاهب بعضها ببعض. فهو يهدم قضية بأخرى، قد هدمها من قبل.
ومثله صلا أبو عرفة، ثَغَاءٌ، رَغَّاء، لا يؤمن بمذهب، ولا يعول على عالم.
تصدى لـ[ابن تيمية] في فتاواه، ولـ[ابن القيم] في إعلام الموقعين، وافترى عليهم الكذب، وركز على قطع صلة العامة بالعلماء فيما جعل نفسه وسيطاً بينهم وبين الوحيين.
وتصدى لعلماء الدعوة الإصلاحية، وجمع بين هذا، وذاك بقولة:- [الحَرَّاني، والنجدي] استخفافاً، وتطاولاً، وسفاهةً.
يُلَمِّعُ نَفْسه بأنه على دين [محمد، وأصحابه]، وأن هذا يحمله على مشروعية هدم كل ما قيل من بعدهم.
يهدم [السلفية]، ويلاحق علماء السلف كـ[الألباني، وابن باز، وابن عثيمين].
ويرى أن مصطلح [السلفية] مناقض لآية {سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} وهذا المتنطع الماكر لا يفرق بين الاستقراء، والشرح، والتفسير.
فحين أسمي نفسي [سلفياً] فإنما أشير إلى مقولة المصطفى عليه السلام:- [ما أنا عليه وأصحابي]. ومحمد، وأصحابه سلف لنا بهم نقتدي، وبهم نهتدي.
والرسول أشار إلى [الأمة المنصورة] ولم يكن في ذلك مخالفة لمسمى [الإسلام] إذ قال:- [الأمة المنصورة]، ولم يقل [الأمة المسلمة].
والقرآن وصف المسلمين بالسابقين، والمؤمنين، والمتقين، والمهاجرين، والأنصار. وكلهم سلف صالح بهم نقتدي، وإليهم ننتمي.
ولم يكن هذا التعدد، والتنوع مخالفاً لمصطلح [المسلم]. وحتى لو سلمنا بأن القول بـ [السلفية] خطأ، لما جاز نسف القائلين به، وتخوينهم، والتحذير منهم. كل ما يقال عن ذلك إنه صَرْفٌ لمسمى مَفْضول، فكلمة [مسلم] تغني عن كلمة [سلفي]، وتؤدي معناها.
مع أن هذا تبرير مفضول، فالمسلمون اليوم لهم من الأخطاء، والجنح ما لا يصْلح معه الاكتفاء بكلمة [مسلمين].
الإسلام مظلة لكل من يشهد ألا إله إلا الله، حتى أنها تشمل الفرق [الثلاث والسبعين].
ولأنه مغرم بالهدم فقد تصدى لمصطلح [الإعجاز القرآني] وشَنَّعْ على القائلين به، وحذر منهم. والمصطلح لا غبار على مشروعيته. علماً أنه جذر قرآني، ومن لغة القرآن.
وهو مصطلح استقرائي توضيحي، وعدم الاستغناء بمصطلح [الآية] التي من معانيها الإعجاز لا يحمل على التوهين، والاتهام، والتحذير.
ذلك أن القرآن لم يجعل مصطلح [الآية] خالصاً للإعجاز. فمائدة [عيسى] آية و[ناقة] صالح آية، وآيات موسى التسع آيات. وما يعنيه علماؤنا بالإعجاز إنما هو [الإعجاز العلمي].
وهو قد طنطن حول [نواقض الإيمان]. و[أقسام التوحيد] بهراء، وتلبيس، وتدليس.
كما شنع على العالم الرباني [صالح الفوزان] ودعى إلى قطع لسانه.
ولو ذهبنا نتعقب مآخذه على العلماء، والدعاة، والمصلحين لما انتهينا.
فالإمكانيات المعرفية، والدعائية، واللسن، وبراعة الاستقطاب عنده اشتريت بأبخس الأثمان، وجندت تلك الإمكانيات لهدم الحضارة الإسلامية في جانبها المعرفي، وتاريخها الحضاري، ورجالاتها الأفذاذ.
ولو أن الرجل حقق ما يريد، واتبعته العامة فيما يصبو إليه، لأفرغ الإسلام من كل محتوياته العلمية، والحضارية. ولصَوَّحت المشاهد كلها من علماء التفسير، والحديث، والفقه، والتوحيد.
فأي عالم أعجبه؟
وأي مفكر أقنعه؟
وأي مذهب ذب عنه، أو غفل عنه؟
وأي اختلاف تسامح فيه؟
لقد سَفِه نفسه بحق، واختانها بصريح العبارة، وزكاها على الله. ومؤشرات عمالته السياسية تتمثل في هروبه من أسئلة التحدي عن [النصيرية] و[بشار الأسد].
لقد هانت عليه دماء المسلمين، وأعراضهم. وهو يدعي الذب عنها، ويتنطع بالجنوح إلى السلام، لقد شغل نفسه بتنقص العلماء، والتشكيك فيهم. ولو كان صادقاً ناصِحاً لله، ورسوله، وصالح المؤمنين لشغل نفسه بالتصدي للظلم، والغزو، والتآمر على الأمة الإسلامية، والتوعية ضد [الإلحاد]، و[الصهيونية]، و[الصفوية] وسائر الملل، والنحل البادية العوار.
فما يقوم به علماء السلف حماية لجناب التوحيد، ونفي للانحراف، والتأويل، والكذب. وتلك مهمات الدعاة الصالحين المصلحين، المجددين للإسلام على رأس كل مائة سنة.