كل معلومة نجدها عن عالم نجدي متقدّم، مهما كانت صغيرة، فإن لها أهميتها في المساعدة على استجلاء الغموض الذي يكتنف بعض جوانب الحركة الثقافية والاجتماعية في منطقة نجد.
وفي هذا الصدد سأعرّف بعالم لم يسبق أن تُرجم له فيما بين أيدينا من كتب التراجم المطبوعة، عاش حياته في القرن العاشر الهجري، كانت المعلومات عنه قليلة، فيسّر الله الوقوف على ما يثري ترجمته، فأقول مستعيناً بالله.
اسمه ونسبه
هو الشيخ علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن بسّام بن منيف بن عساكر بن بسّام بن عقبة بن ريّس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سُنَيْع بن نهشل بن شدّاد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سُود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، فهو من فخذ آل بسّام بن منيف، ثم من آل زاخر، أحد فرعي الوُهَبَة، الوهيبي الحنظلي التميمي الأشيقري.
ونسبه إلى بسّام بن منيف بخط يده في وثيقة توزيع سقي الرّبيعيّة على ما سيأتي، ونسب بسّام بن منيف إلى وهيب معروف مشهور، ومن وهيب إلى آخر النسب فعن خط يد المترجم له أيضاً، سجله على هامش نسختين من كتاب (مختصر جمهرة النسب لابن الكلبي).
دراسة مضاهاة الخط على مختصري الجمهرة، ومعرفة صاحبه:
توجد نسختان من كتاب (مختصر جمهرة النسب) لابن الكلبي، نصهما متطابق، الأولى محفوظة الآن في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، وسنطلق عليها النسخة الشّامية، كونها منسوخة في حماة، والثانية محفوظة في مكتبة جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية، وهاتان النسختان تداولهما عدد من علماء أشيقر وغيرها، وعند ذكر مؤلف مختصر الجمهرة لـ(عقبة بن سُنَيْع)، في تفريعه لبني طهية من حنظلة من تميم، علق أحد العلماء في هامش كلتا النسختين تسلسل نسب الوهبة لعقبة بن سُنَيْع هذا وذَكَرَ أفخاذهم، حيث قال في النسخة الشّامية ما نصه: (عقبة بن سُنَيْع هو جدّ الوهبة، وهم آل بسّام، وآل عساكر، وآل راجح، وآل مشرَّف، ومحمد بن علوي؛ وهو جد آل محمد والخرفان، والله أعلم، كاتبه.
وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سُنَيْع بن نهشل بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، كاتبه)، (الوثيقة1).
وقد اطّلع على هاتين النسختين الشيخ المؤرخ إبراهيم بن عيسى (ت 1343هـ)، ونقل ما كُتِب على النسخة الشّاميّة، فقال: (وعلى الهامش بخط بعض علماء الوهبة ما صورته: عقبة بن سُنَيْع...إلخ)، (الوثيقة2).
والشيخ ابن عيسى نقل وثائق كثيرة عمن قبله إلا أنه أحياناً لا يُسمّي من نقل عنهم مع أنه يعرفهم، فهل عرف ابن عيسى هذا الخط وكاتبه عندما حدد قبيلته بأنه من علماء الوهبة؟
يلاحظ أن كاتب النسب ختم تقييده على نسختي المختصر بقوله في آخره (كاتبه)، وخصّ النسخة الشاميّة بحواش كثيرة مهمة كتبت بالخط نفسه، كرر في مواضع منها قوله (كاتبه)، ولم يذكر اسمه في هذه المواضع أيضاً، مما يدل على أنه سبق له تقييد اسمه في النسختين، وذلك ربما في تملك له في أولهما، ولكن للأسف أن صفحة العنوان من كلتا النسختين مفقودة، فذهب بفقدهما اسم الكاتب هذا، وبالبحث في ثنايا المخطوطتين لم نجد اسمه مكتوباً في أيّ منهما(1)، مما تطلب البحث للكشف عن شخصية كاتب هذه الهوامش والتقييدات، ولا يخفى صعوبة تتبع ذلك لقدم صاحب هذا الخط، إذ ربما اندثرت أكثر آثاره العلمية مع طول الزمن، على أنه توجد عدة أمور رئيسية مساعدة أفادت في الوصول بفضل الله إلى صاحب الخطّ، منها:
- تفريعه لبطون الوهبة، واهتمامه بتسجيل نسب وهيب، مما يدل على أنه من الوهبة، يؤيّد ذلك أن المؤرخ ابن عيسى نصّ كما سبق على أنه من علماء الوهبة.
- ابتدأ الكاتب في تفريعه لبطون الوهبة بآل بسّام، قد يدل على أنه من هذا البطن، ثم ذكر فروع البطن الذي ينتمي له وهم آل زاخر، ثم ذكر فروع بطن آل محمد الفرع الثاني في الوهبة.
- توفّر نماذج لكثير من خطوط علماء الوهبة المتقدمين، وبخاصة علماء آل بسّام، سهل عملية المقارنة، ومعرفة صاحب الخط.
- من أجل معرفة صاحب الخط تم دراسة وتتبع خطوط علماء الوهبة للتعرف عليه، من خلال عدد من وثائق أشيقر، وأوليت تركيزاً خاصاً بعلماء آل بسّام المتقدمين.
- عند المقارنة لاحظت أن وثيقة تقسيم سقي بئر الرّبيعيّة في أشيقر، التي أصلها ما زال موجوداً بخط يد كاتبها المترجم له مطابقة للخط الذي في نسختي مختصر الجمهرة، (الوثيقة3).
- وللتأكد من مطابقة الخطين تمّ وضع جدول للمقارنة بين الكلمات المتشابهة بين هامشي النسب في المخطوطتين ووثيقة تقسيم السقي، فكانت النتيجة أن أكثر من عشر كلمات تتطابق مع أن كلمات هامش النسب، التي هي قليلة في الأصل.
- كما تمّت مقارنة كلمات متعددة أخرى من تعليقات هذا العالم الأخرى على الجمهرة، فكانت متطابقة أيضاً.
- كما تمّ تتبع رسم الكثير من الحروف التي تميّز بها خط الكاتب عن الخطوط الاخرى، مثل: رسمه لحرف الهاء، والكاف، والراء، والفاء، وغيرها، وهذا يعرف بعلم مضاهاة الخطوط، فكانت نتيجة المقارنة هي التطابق.
- وقد عرضت جدول مضاهاة الكلمات المختارة التي وردت في هامشي المخطوطتين والوثيقة على سبعة من المتمرّسين بالمخطوطات والوثائق وأنواع الخطوط، فخلصوا إلى وجود تشابه كبير بين الخطين، بلغ متوسط تقديراتهم 80 %، والنسبة المتبقية من الاختلاف وجودها طبيعي لدى الشخص الواحد، وهي عائدة إلى تطور أسلوب الكتابة ومهاراتها لدى الكاتب، واختلاف نوع القلم وحجمه، والتقدم في السن، وما شابه ذلك.
- هذا النسب الذي سجّله الكاتب هو النسب المعروف عند الوهبة إلى اليوم، فلا جديد في ذلك، إنما الجديد معرفة كاتب هذا الهامش والهوامش الأخرى التي بخطه على هامش مختصر الجمهرة.
- تملك أحد كبار علماء الوهبة ونسّابيهم في القرن الثالث عشر الهجري، وهو الشيخ العلامة محمد بن عبدالله بن مانع الوهيبي التميمي (ت 1291هـ)، لإحدى النسختين اللتين كتب عليهما نسب الوهبة، وهي نسخة برنستون، ووقوفه على هذا النسب بخط هذا الكاتب، وقد أشار الشيخ في وثائقه التي حررها عن نسب الوهبة إلى وقوفه على خطوط علماء الوهبة المتقدمين وأنهم ينتسبون إلى النسب المذكور في هامش مختصر الجمهرة، الذي كتبه هذا العالم، وإحالته في توثيقة لكتاب جمهرة النسب.
- تملك الشيخ عبدالرحمن ابن الشيخ محمد بن مانع الوهيبي التميمي (ت 1287هـ)، لهذه النسخة التي وقف عليها والده، ووقوفه على هذا النسب أيضاً، وتعليقه تحته بخط يده مؤيداً له، ومخطئاً لأحد معاصريه ممن أرادوا تحريفه إلى نسب آخر.
- تبين من دراسة مضاهاة الخطوط أن الهامشين في نسختي الجمهرة عن نسب الوهبة، وكذا أغلب الحواشي التي على النسخة الشّاميّة أنها بخط المترجم له الشيخ العالم علي بن محمد بن بسَّام الوهيبي التميمي، وأنه هو العالم الوهيبي الذي أشار له المؤرخ ابن عيسى.
وعلى الرغم من أن خطوط الهوامش متطابقة، إلا أن بعض الهوامش ومنها هامش نسب وهيب كتبت بقلم عريض وحبر مختلف، وتفسير ذلك أنه كتب الهوامش في أوقات مختلفة زمنياً، وذلك خلال الربع الثالث من القرن العاشر الهجري تقديراً.
شبيهه في الاسم
لا بدّ من التنبيه إلى أن من عشيرة المترجم له ومن قرابته في النسب من يحمل الاسم نفسه، ولا يختلفان إلا في الاسم الخامس (أي جَدّ الجَدّ)، قال المؤرِّخ ابن عيسى في رسالته الجوابية لتلميذه ابن جاسر: (وأما الشيخ علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن بسّام، الذي حصل الاشتباه عليكم فيه بعلي بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن منيف بن بسّام، فهو من آل علي بن محمد بن عبدالله بن بسّام، وهم الحصانا والخراشا كما هو معروف عندكم أنهم آل علي بن محمد. وأما الثاني فهو من القضاة من آل منيف بن بسّام، والشيخ حسن بن علي بن عبدالله بن بسّام تلميذ صفي الدين، لما وقّف أرض نجلا على أولاده ما تعاقبوا وتناسلوا ذكر أنهم إن انقطعوا فعلى أولاد أخيه حسين ثم أولادهم فإن انقطعوا فعلى آل عبدالله بن بسّام، يعني أولاد جدّه وهم آل علي بن محمد بن عبدالله بن بسّام. والموقف هو الشيخ حسن بن علي بن عبدالله بن بسّام، ولما ذكر الشيخ حسن بعد ذلك في وصيته أنه إن انقطع آل عبدالله بن بسّام، فهو على آل منيف بن بسّام، ورجع عن ذلك وجعله يطعم في المسجد للفقراء والمساكين كما هو مذكور في وصيته).
قلت: شبيه المترجم له في الاسم، توفي سنة 1090هـ(2)؛ وهو من ذرية الشيخ محمد بن أحمد القاضي المشهور محرر وقفية رميثة بن قضيب سنة 986هـ، ذكرته هنا لئلا يحصل خلط بينهما بسبب هذا التشابه، وعليّ هذا لم يولد إلا بعد وفاة مترجمنا على الأرجح، فلا يوجد ما يؤكّد أنه أدركه إلا أن يكون في طفولته، وتوجد مخطوطات بقلمه اطلعت عليها تختلف عن خط المترجم له، منها كتاب (المقصد الأسمى فيما يتعلق بمقاصد الأسمى)، نسخه سنة 1057هـ.
مولده ونشأته، ومشايخه
ولد المترجم له في بلدة أشيقر في الربع الثاني من القرن العاشر الهجري تقديراً، وأخذ عن علمائها لا سيما علماء أسرته، وغيرهم، وكان أشهرهم في ذلك الوقت الشيخ حسن بن علي بن بسّام، وابنه الشيخ طلحة، فمن المتوقع أنه درس عليهما، ومن أبناء عمومته الشيخ محمد بن أحمد القاضي المشهور (ت 998هـ)، فلا يستبعد أن يكون أخذ عنه أيضاً، وربما أنه أخذ عن غيرهم من علماء بلده، ومن المحتمل أنه ارتحل في طلب العلم خارج بلدته أشيقر، وكانت الشام أشهر وجهة لطلاب العلم النجديين في ذلك الوقت، حيث يوجد فيها كبار علماء الحنابلة وتتوفر فيها أمهات كتب المذهب وغيرها، ومما قد يدلّ على ذلك تملكه لنسخة شامية من كتاب (مختصر جمهرة النسب)، الذي تمّ نسخه في مدينة حماة سنة 674هـ، كما أن قائمة الكتب التي رجع إليها المترجم له ونقل عنها في حواشيه على هذا المختصر يعّز وجود كثير منها في منطقة نجد في وقته، وسيأتي زيادة تفصيل في الكلام عن مكتبته.
انتشار العلم بين أفرد عشيرته
بيت الشيخ علي بيت علم، فقد عرف من عشيرة آل بسّام في القرنين الثامن والتاسع عدد من العلماء، لا نطيل بذكرهم، إلا أن من أشهرهم الشيخ بسّام بن منيف، الذي وقّف مكتبته على ذريته سنة 800هـ تقريباً، وهو الجدّ الرابع لمترجمنا.
أما في القرن العاشر الهجري فقد كثر العلماء من أسرة المترجم له ومن عشيرته كثرة لافتة للنظر، فكان لهم دور بارز في تولي منصب القضاء والإمامة، وتدريس الطلاب وكتابة العقود، ونسخ كتب العلم وتوقيفها، وغير ذلك من الأعمال والمناصب الشرعية وغيرها في بلدهم وخارجه، ومن أشهرهم في ذلك القرن الشيخ حسن بن علي بن بسّام (ت 945هـ)، وأبناؤه الخمسة كلهم علماء، وأشهرهم ابنه الشيخ طلحة (ت 970هـ)، وهناك الشيخ أحمد بن محمد بن منيف بن بسّام، وابنه الشيخ محمد بن أحمد الذي لقب بالقاضي، وأيضاً الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن عتيق بن بسّام، والشيخ أحمد بن فيروز بن بسّام، وغيرهم من أبناء هذه العشيرة مما يطول ذكره(3). وشاهد الحال أن المترجم له عاش في وسط وأجواء علمية جادة ومؤثّرة في وقته، فكان ذلك حافزاً له على توجهه لطلب العلم، والاهتمام به وبثّه.
تلاميذه
كان من المتبع عند القضاة المتقدّمين، وهم أعلى جهة علمية في وقتهم، أن يكون لهم حلقات علم يلتحق بها من جاوز المراحل التعليمية الأولى، فمن المرجح أن ممن درس على مترجمنا وأخذ عنه، حفيد أخيه الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالله بن بسّام(4)، وممن شهد على وثيقة تقسيم سقي بئر الرّبيعيّة بأشيقر التي حررها المترجم له كل من الشيخ أحمد بن سليمان بن مشرّف، والشيخ علي بن عمر بن مشرّف المعروف بالخراز (ت 1050هـ)، فمن المرجح أنهما تتلمذا عليه، خاصة أنه يكبرهما في السن بفارق كبير، وكانت العادة أن يشهد التلاميذ على ما يحرّره أشياخهم من مكاتبات وعقود وغيرهما.
كما أن في آخر القرن العاشر الهجري الذي عاش فيه مترجمنا طبقة كبيرة من طلاب العلم ظهر أثرهم في القرن التالي، فلا يستبعد أن يكون أخذ عنه بعضهم، من علماء آل بسّام وآل مشرّف وآل إسماعيل وغيرهم.
مكتبته
لا شك أن عالماً توفي منذ ما يقارب أربعة قرون ونصف، يصعب أن نأتي بتفاصيل دقيقة عن مكتبته، ولكن ما وقفنا عليه هي نماذج تعطينا تصوراً عن تلك المكتبة الكبيرة التي كانت لديه سواء التي جمعها بنفسه مما اقتناه من كتب، أو استنسخها بخط يده، أو آلت إليه من الكتب الموقوفة عند عشيرته وفي بلده، خاصة كتب جده الأعلى الشيخ بسّام بن منيف، التي وقفها على ذريته سنة 800هـ تقريباً.
قال المؤرِّخ الشيخ إبراهيم بن عيسى، في تعداده لعلماء أشيقر: (علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن بسّام بن منيف الوهيبي التميمي الأشيقري، كان عالماً فاضلاً، كتب الكثير بخطه الحسن المضبوط النيّر، وتوفي في أشيقر - رحمه الله تعالى - سنة تسعين وألف)(5)، وسيأتي تصحيحٌ لتاريخ وفاته.
ومما وقفنا عليه من الكتب التي تملكها مترجمنا نسختين من كتاب (مختصر جمهرة النسب لابن الكلبي)، ولا بدّ من الإشارة إلى عنايته باقتناء النسخ الصحيحة المتقنة، إذ أنه كتب حواشيه على النسخة الشاميّة التي تمّ نسخها في مدينة حماة سنة 674هـ، التي في أحد هوامشها تعليق بخط الإمام الحافظ الذهبي (ت 748هـ)، مخرجاً فيه أحد الأحاديث(6)، ولم يجعل حواشيه على نسخته الأخرى (نسخة برنستون)، التي رجح الشيخ حمد الجاسر أنها لا تتعدى في تاريخ نسخها القرن التاسع الهجري(7)، فإن المترجم له لم يعلق على هذه النسخة سوى نسب جده وهيب فقط، عند ذكر عقبة بن سنيع الطهوي.
وهنا لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أن المترجم له قرأ كامل النسخة الشاميّة تحديداً قراءة مطالعة وتأمل، يدل على ذلك كثرة تهميشاته وتصحيحاته، وما ألحقه من الفوائد والتنبيهات، فلعل ذلك نهج له فيما كان لديه من الكتب الأخرى.
وقد تبيّن من تتبع التعليقات المتعددة لمترجمنا أن له اهتماماً واضحاً بالنسب والتاريخ، وأنه ذو اطلاع واسع فيهما، وقد أحال إلى عدد غير قليل من المراجع في ثنايا تعليقاته الكثيرة التي دونها في هوامش المخطوط، مما يعزّ اجتماعه عند شخص واحد، خاصة في ذلك الزمن، منها: شرح ذات الفروع في النسب، والكامل للمبرد، وتاريخ الذهبي، وسيرة الحلبي إنسان العيون، وتفسير ابن الجوزي، وسيرة ابن هشام؛ وربما سماها تهذيب سيرة ابن إسحاق، والقاموس، والمؤتلف والمختلف للآمدي، والمرصع لابن الأثير، وألفية السيرة للعراقي، وتاريخ الطبري، والعمدة لابن رشيق، والصحاح للجوهري، وتقريب التهذيب لابن حجر، ومجمع الأمثال للميداني، وقلائد الجمان في قبائل الزمان، وسيرة ابن سيد الناس، والاستيعاب لابن عبدالبر، وغيرها، ويوجد بخطه في هامش الجمهرة ما نصه: (وكُتب الوقف التي عندي متن الإقناع، وقطعة من سفر الهجرتين، والمغني لابن هشام، وشرح السيوطي على الألفية، والمطول في علم المعاني والبيان، وهذه وقف عليّ، وجزء من تفسير من الأعراف إلى ... ... والجزء الآخر من الزركشي، ومتن التنقيح عليه خط المصنف). ولا يستبعد أنه كان قريباً من مكتبة عامرة استفاد من محتوياتها، وهذا قد يؤيد أنه طلب العلم في الشام، وأنه اطلع على محتويات أشهر مكتباتها كالصالحية وغيرها.
ولا شك أن من جمع تلك المكتبة الكبيرة سيكون بعضها على الأقل منسوخة بخطه، خاصة من كان ذا خط جميل متقن مضبوط كحال المترجم له، قال المؤرِّخ ابن عيسى في تعداده لبعض الكتب: (وجدت في آخر نسخة يقول كاتبها، بقلم الفقير إلى الله تعالى، علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن بسَّام)(8).
إنتاجه العلمي
لبعد الفترة الزمنية تفرقت مكتبته كما تفرق غيرها من مكتبات الأوائل بما قد يكون فيها من مؤلفات وتقييدات، وإلى هذه اللحظة لم نقف على شيء من آثاره العلمية سوى عمل علمي واحد له، هو حاشيته النفيسة على كتاب (مختصر جمهرة النسب لابن الكلبي)، لم تجرد بعد عن هوامش مخطوطة الأصل، إذ يوجد عليها تعليقات في هوامشها كثيرة ومفيدة، اتضح لي بعد مقارنة الخطوط، أن كثيراً من تلك الهوامش والتعليقات هي بخط مترجمنا الشيخ القاضي علي ابن بسّام، كما أن له عليها تهميشات بعضها طويل جداً، ورأيته يذكر بعض مصادره في تلك التعليقات، وهي تدل على تمكنه من علم اللغة والأدب والتاريخ والأنساب وغيرها، مع تمكنه التام من العلوم الشرعية، فهي جديرة بالجمع والدراسة، وهي تدل على قدرته العلمية على التأليف، وبالتالي لا يستبعد أن توجد له حواش على كتب أخرى في الفقه واللغة وغيرهما. وواضح أنه ليس مجرد ناقل فقط، بل يتعقب الأخطاء، ويبدي ملحوظاته، وللفائدة أضع هذه النماذج من حاشيته:
- علّق على قول المختصر أن الباهلية أمّ الأحنف بن قيس التميمي كانت ترقصه وهو طفل وتقول:
والله لولا حنف برجله
ما كان في صبيانكم كمثله
فعلَّق قائلاً: لقائل أن يقول:
ما ضاره والله ما برجله
وليس في صبيانهم كمثله
يتضح من ذلك أن لديه ملكة في نظم الشعر.
- وعند قول المختصر: (وأكلوا بنو عذرة أمة)، قال: (هذا على لغة أكلوني البراغيث، نحو قول الشاعر...).
- حقق تحقيقاً علمياً طويلاً عن مقتل مالك بن نويرة، يدل على اطلاع واسع وتمكن في العلم، أنقل أوله: (قال كاتبه: وقد أُورد مقتل مالك بن نويرة على غير ما أورده المبرَد، واختلف في صفة قتله اختلافاً كثيراً، كما اختلف في سبب قتله، وأهل الأخبار والتواريخ لا يلتزمون للصحيح غالباً، بل ضيفتهم ذكر ما بلغهم من غير نظر إلى صحته أو فساده، كما صرح بذلك العلماء كابن العراقي. وهذه القضية وردت من طرق متباينة، فأبو عبيدة أوردها على طريقة مباينة لما ذكر المبرد، وبعض أهل التواريخ أوردوها على خلاف ما أوردها أبو عبيدة والمبرد جميعاً، والحق في ذلك ما ذكره أهل الحديث والفقهاء من أن سبب قتل خالد لمالك بن نويرة أنه منع الزكاة، قال الإمام أبو سليمان الخطابي في شرح البخاري ونقله عنه في شرح مسلم...)، ثم أخذ في التفصل.
- وقال معلقاً في موضع آخر: (لقائل أن يقول: لا يُسلم كلامه في شُكيس إذ لا موجب لما قاله، لأنه يقال فَعْلٌ يُصغر على فُعَيل، فعليه يكون شَكيس تصغير شَكس، ولا موجب لكسر الكاف فيه، وقد رأيته في سيرة ابن هشام نسخة صحيحة مصغرا. والله أعلم).
اهتمامه بالتاريخ والأنساب
تبيّن من تتبع التعليقات والحواشي المتعددة بخطه على النسخة الشّامية أنه رجع لكثير من الكتب والمراجع، التي سبق ذكر بعضها وهي تدل على أن له اهتماماً واضحاً بالتاريخ والأنساب، وأنه ذو اطلاع واسع فيهما. فالهامشان اللذان كتبهما عن نسب جده وهيب، وتفريع بطون الوهبة، دلّا على معرفته العميقة بسلسلة نسبه المرتبطة بعقبة بن سنيع، ومعرفته الكبيرة ببطون قبيلته، وتفرعاتها. وهذا ليس بدعاً من علماء بلدته أشيقر عموماً والوهبة خصوصاً في عصره، فقد وجد منهم من له اهتمام بعلم الأنساب ومصادره ومراجعه، ودوّن نسبه في وثائقه ومخطوطاته، منهم الشيخ محمد بن أحمد بن بسّام القاضي - معاصر المترجم له ومن أبناء عمومته - كتب نسبه كاملاً إلى طابخة الجد الثاني لتميم، ومنهم معاصره الشيخ عبدالوهاب بن موسى بن مشرّف الوهيبي(9)، الذي قال عن نفسه سنة 988هـ: (التميمي نسباً ومحتداً).
ويتضح مما سبق أن المترجم له من أقدم علماء نجد الذين وصلتنا آثارهم العلمية المتعلقة بالتاريخ والأنساب.
وثائقه وأحكامه
بعد تمكن الشيخ علي ابن بسّام في الفقه وعلوم الشريعة صار أحد قضاة بلد أشيقر مع وجود كبار علماء وقته فيها. وعلى الرغم من بعد الفترة الزمنية التي تفصلنا عنه، وقد قاربت أربعة قرون ونصف، إلا أنه لا تزال له وثائق وأحكام دوّنها في أشيقر وقت قضائه فيها، وقد وقفت على أحدها بخط يده، وبعضها نقلاً عن خطه، وسبق إيراد قول المؤرِّخ ابن عيسى عنه، بأنه: (كتب الكثير بخطه الحسن المضبوط النيّر).
وهذه الوثيقة المهمة التي وقفت عليها تتعلَّق بتقسيم سقي بئر الرّبيعيّة في أشيقر، وهي في ورقة واحدة والكتابة في الوجهين، قال في آخرها: (وكتب ذلك كله علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن بسَّام القاضي، وصح ذلك عنده وثبت)، وهذه الوثيقة لها دلالة على تمكن المترجم له من معرفة الحساب وتقسيم الأسهم، فمن الملاحظ أنه كُلّف لكل بئر من آبار أشيقر الرئيسة الواقعة داخل أسوار البلدة عالم يتولى تقسيم أسهمها(10)، مع العلم أنه لا يكلّف بذلك أيّ عالم، بل لا بدّ أن يكون عالماً متمكناً، وهذا راجع لأهمية المياه في حياة الناس، فهي عصب الحياة كما يقال، وفي السابق كانت الخلافات تنشب بين الناس في أوقات السيول وعند جريان الأودية، مع أن وقتها بالنسبة لأيام السنة قليلة، بل محدودة جداً، فكيف بآبار يَنضح من مائها في كل يوم مجموعة من الناس، لأنه يشترك في السقي منها أشخاص وبساتين كثيرة، لا شك أنها إذا لم تنظم عملية السقي عليها فسيكون ذلك مدعاة للنزاعات المتكرِّرة، وهذا في نهايته سيؤدي إلى عواقب وخيمة جداً على مجتمع ذلك الوقت، فندرك بذلك أهمية أن يكلّف عالم موثوق، له قبول عند الناس ومتمكن من توزيع أسهم السقي، تكون كتابته حكماً ملزماً للجميع يرضون به، ويُرجع إليه عند أيّ نزاع.
وله حكم قضائي وقف عليه الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجاسر، حيث قال: (رأيت وثيقة قال فيها: وحكم به شرعاً وأنفذه حكماً علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن بسَّام القاضي الحنبلي، حرر سنة 998 تسعمائة وثمان وتسعين)(11).
وفاته
لم أقف على تاريخ وفاته، إلا أنه من المؤكد أن أغلب حياته عاشها في القرن العاشر الهجري، وربما أدرك مطلع القرن الحادي عشر الهجري(12)، أما ما دوّنه وأرَّخه بنفسه فلم نقف حتى الآن إلا على تاريخ سنة 998هـ، فيحتمل أن يكون توفي بعدها بقليل، وأستبعد تماماً ما ذكره المؤرِّخ ابن عيسى من أن وفاته سنة 1090هـ، إذ كيف يكون قاضياً له أحكام قضائية مشهورة مدوَّنة بتاريخ سنة 998هـ، ثم يمتد عمره إلى ما ذكره ابن عيسى، والأقرب أن ابن عيسى وقع فيما حذّر منه من الخلط بين العلمين، إذ شبيهه في الاسم توفي سنة 1090هـ، كما ذكر ابن عيسى نفسه.
رحم الله المترجم له رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، هو وجميع موتانا وموتى المسلمين، والحمد لله ربّ العالمين.
الهوامش:
(1) أعيدت كتابة صفحة العنوان لنسخة برنستون في وقت متأخر. ويوجد على الورقتين الأولى والأخيرة من النسخة الشامية، هامشان محكوكان لم تتضح قراءتهما.
(2) ترجمته في: (علماء نجد خلال ثمانية قرون)، للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسّام، دار العاصمة، الرياض، ط2، 1419هـ، ج5، ص300 .
(3) انظر تراجمهم في (علماء نجد)، للشيخ البسّام، و(الحركة العلمية في أشيقر)، للشيخ عبدالرحمن أباحسين.
(4) قال عنه المؤرِّخ ابن عيسى في رسالته لتلميذه الشيخ عبدالله الجاسر: (عبدالله بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن بسّام بن منيف الوهيبي التميمي الأشيقري، كان عالماً فقيهاً نبيلاً رأيت له مسائل عديدة وكتب كتباً كثيرةً بخطه الحسن الفائق، وآخر ما رأيت تاريخاً بخطه شرح الشنشوري على الرحبية في الفرائض ذكر أنه فرغ من كتابته في سادس شهر ذي الحجة سنة سبع وأربعين وألف ولم أقف على وفاته)، ترجمته في: (علماء نجد)، للبسَّام، ج4، ص480 .
(5) رسالة جوابية من المؤرِّخ ابن عيسى لتلميذه الشيخ عبدالله الجاسر.
(6) (مختصر جمهرة النسب لابن الكلبي)، مخطوط، مكتبة الملك فهد، ق114.
(7) انظر مقال (مختصر جمهرة النسب)، للشيخ حمد الجاسر، مجلة العرب، ج5و6، س21، ذي القعدة والحجة 1406هـ، ص296 .
(8) وثيقة مفردة؛ وانظر: (مجموع ابن عيسى)، مخطوط، ق231 .
(9) (من علماء نجد في القرن العاشر الهجري، الشيخ عبدالوهاب بن موسى بن مشرّف التميمي)، صحيفة الجزيرة، ع12057، 28-8-1426هـ، ص39.
(10) من ذلك على سبيل المثال: وثيقة تقسيم أسهم بئر السُّديس في أشيقر كتبها الشيخ طلحة بن حسن بن بسّام الوهيبي التميمي، ووثيقة تقسيم أسهم بئر البدي في أشيقر حضر قسمتها وشهد عليها الشيخ بدر بن محمد بن بدر الوهيبي التميمي، وهما معاصران لمترجمنا.
(11) من رسالة أرسلها الشيخ عبدالله الجاسر لشيخه المؤرِّخ ابن عيسى، مؤرَّخة سنة 1342هـ.
(12) تجدر الإشارة إلى أن ممن تولى قضاء أشيقر بعده الشيخ علي بن جعفر بن فضل، الذي لم أقف على بداية توليته، إلا أن له حكماً مؤرخاً سنة 1008هـ.
** **
عبدالله بن بسّام البسيمي - الوشم - أشيقر
177--------------------
تغيرات المجتمع... من يرصدها ويدرسها ؟!
--------------------
مجتمعنا كسائر مجتمعات العالم يؤثر ويتأثر يغير ويتغير، وفق متغيرات لم يسلم منها شبر في الكرة الأرضية، لم يعد الجديد يأتي كل سنة أو كل شهر أو كل أسبوع، بل أصبح الجديد يطل علينا مع كل صباح.
من الجديد الإيجابي والمفيد، ومن الجديد السيئ والخطير.
منذ القدم والجديد يقف الناس عنده ويتأملوا فيه لأنه جديد وبالتالي غريب، بل كما قال أحدهم (لكل غريب دهشة).
وفي موروثنا التاريخي القديم وفي تراثنا الحديث لم يكن الناس في الغالب يتفاعلون بشكل إيجابي مع الجديد، بل كان التوجس والحذر حاضرا بقوة.
على سبيل المثال حين أتى مشروب القهوة إلى الجزيرة العربية، وهو مشروب وافد اختلف الناس بين مانع من الشرب، وآخر يجيز ذلك، وبعضهم أخذ موقفا متوسطا، فقال أنا أتوقف حتى أفهم هذا المشروب الجديد!!
ومثل ذلك في جوانب أخرى.
أتمنى لو أتى باحث ودرس مجتمعنا كيف استقبل الكهرباء والهاتف والسيارة دراسة اجتماعية وتاريخية وفهم كيف نتعامل مع الظواهر الجديدة.
واليوم مع هذه الثورة التي لا يمكن استيعابها بسرعة في كافة مجلات الحياة لابد أن تعود الدهشة والاستغراب والتحليل أو التحريم والسماح والمنع، وهذا أمر موجود حتى في أكثر دول العالم انفتاحا على الجديد، لأن المستجدات لا ينظر إليها كما هي الأمور التي تعودنا عليها في كل يوم.
هل نجد اتفاقا علميا بين مؤرخ وعالم اجتماعي ليدرسوا مجتمعنا، كيف كان في السابق واللاحق يتعامل مع الجديد؟