د. جاسر الحربش
مخطئ وساذج من يعتقد أن الترصد الإعلامي المسيء للسعودية من الجوار الإقليمي وبعض العالم الغربي أسبابه حقوقية وإنسانية. لا قضية خاشقجي ولا سجن بضعة أفراد من السعوديين والسعوديات سببه حقوقي أو إنساني، ولكنه محاولات إجهاض لمشروع السعودية الجديد. في مناطق الصراعات التاريخية المتكررة يحسن بأية دولة تنوي إعادة التحديث ضمن مشروع نهضوي كبير وضع حساسيات ومخاوف الدول والمجتمعات الأخرى في حساباتها الدبلوماسية والإعلامية، وإذا لزم الأمر الدفاعية كذلك. السعودية واحدة من الدول داخل منطقة صراعات تاريخية متكررة، والآن لديها مشروع نهضوي ضخم تتوفر إمكانيات نجاحه المادية والبشرية، ولذلك وبخط مواز يجب عليها التأكيد لكل من لديه مخاوف من نجاح مشروعها الوطني أنها بصدد تنفيذ مشروع خاص بنا كسعوديين فقط وغير قابل للتصدير ولا للتأثير ولا للتوسع. نحن الأدرى من كل المنطقة من حولنا بالنتائج الكارثية لمثل هذه المحاولات في التاريخ القديم والحديث. علمتنا الكوارث والمصائب من حولنا أن نهتم بأنفسنا ونترك الآخرين لأنفسهم، ولذلك بقينا بفضل الله آمنين، ولكنه أمان نسبي يترصد له الآخرون ونحن نعرف ذلك ونتحسب له بدفاع وطني نتمنى ألا يختبر مصداقيته الآخرون.
لكن لماذا وهل يوجد مبرر للتخوف من نهضة دولة تعد بالمقاييس العلمية والصناعية والعسكرية لا تمتلك ما تهدد به جوارها الإقليمي ولا من هم خارجه وتعلن في كل المحافل الدولية أن مشروعها تعايشي سلمي تكافلي مع الحضارة البشرية؟ بالمقاييس المادية لا يوجد مبرر ولكن قد يوجد رهاب أو بقايا رهاب كامن عند أطراف عربية وإقليمية غير عربية وأطراف لا صلة لها بالمنطقة سوى جذور المصالح الاستعمارية القديمة التي ما زالت مغروسة في المنطقة.
علامات الرهاب غير المبرر من المشروع السعودي الجديد موجودة عند طرف واحد على الأقل في المكون الخليجي، وفي إيران وتركيا من المكون الإقليمي، وفي المشروع العنصري التوسعي في فلسطين، ولكنها أيضاً موجودة عند القوى العظمى في الغرب والشرق التي لا تريد للمنطقة إلا أن تستمر برميل نفط وأسواق استهلاك وميادين صراعات دينية ومذهبية وعرقية.
مما قد يزيد في درجات الرهاب كون المشروع النهضوي السعودي الجديد ينبع من نفس الحضن الأول لتلك الحضارة التي نبعت منه قبل أربعة عشر قرنًا، وأن نجاحه قد يعطي مثالاً يحتذيه ويقلده ويطبقه كامل المكون العربي في المنطقة، مما يعني استثارة كوامن التاريخ القديم عند من يخاف من نبش كوامن التاريخ القديم. خزائن التاريخ تكتظ بفواحش وجرائم ضد المكون العربي بالذات في المنطقة، من المشروع الصفوي الفارسي وامتداده الخميني الماثل حالياً في العراق والشام واليمن، ومن المشروع التركي الطوراني العثماني الذي نهب البلاد وشنق العباد في الميادين ومنعهم من مسايرة العالم في التقدم، ومن المشروع العنصري الصهيوني الذي لا يعترف بحدود ولا بكرامة إنسان غيره، وانتهاءً بالاستعمار الغربي الذي ما زالت جذوره الأخطبوطية متشعبة في المنطقة.
لكن نبش الخزائن القديمة في عصر القدرات التدميرية المرعبة إلى جانب القدرات التعميرية اللا محدودة لا فائدة منه، وقد سبقتنا إلى ذلك الإدراك اليابان والقارة الأوروبية بعد كوارث الحرب العالمية الثانية. بناءً على ذلك يجب أن يصدق كل من يساوره الخوف والرهاب تجاه المشروع السعودي أننا في السعودية كعرب نحن أصحاب المعاناة الأصعب ونحن أيضاً الأكثر إدراكاً لعبثية الاستمرار في الصراعات وأننا بصدد التركيز فقط وفقط لا غير على انتشال أنفسنا من القديم المتخلف المتعادي إلى الجديد المتعايش المجدد وبالله التوفيق.