عبده الأسمري
عانق التتويج فكان الاستثناء «ثناء» حصده بالعلا.. فكتب سيرته بحبر «أخضر» عنوانه «الوطنية» على صفحة بيضاء داخل برواز مرصَّع بالنجوم التي اعتلت «كتفه» وسطعت في سماء عطاءاته.. وتاج كانت نتاج هيمنة «التخطيط» وسلطنة «النتيجة» وسيفين ذهبيين كانا «رهان» كفاح وبرهان «نجاح»...
إنه المستشار بوزارة الداخلية مدير الأمن العام سابقاً معالي الفريق سعود بن عبدالعزيز الهلال -رحمه الله- أحد أبرز القيادات الأمنية الوطنية وأمهر الكفاءات التي أثرت «الميدان وغرف العمليات» وإدارات التخطيط بالريادة والقيادة.
بوجه وسيم يشع بالانضباطية وأناقة رسمية تتوارد من بزة عسكرية مكتظة بالنياشين والأوسمة والنجوم والتيجان وعينين واسعتين وشارب محفوف مع ملامح نجدية خليطة بين الود والجد وكاريزما فاخرة تقطر أدباً وتمطر تأدباً مع صوت جهوري ممتلئ بلغة بيضاء ولهجة عصماء تستند على ثقافة أمنية وحس عسكري عال ومفردات متجانسة من السداد والتوجيه قضى الهلال من عمره سنيناً وهو يسجِّل النجاحات الأمنية ويكتب الانتصارات الميدانية ودحر الإرهابيين وهزيمة الفارين كضابط شرطة ومسؤول تخطيط ومشرف مداهمة وقائد مهمة ومدير إدارة واضعاً اسمه ركناً في توظيف «الأمن» ووسمه فناً في صناعة «الأمان».
في الرياض نشأ الهلال بين أسرة كانت «عتاده» الأجمل و»امتداده» الأمثل وحظي بتربية أشبعت قلبه بالمعاني وغمرت روحه بالتفاني فتربى مخطوفاً إلى أصول النبل وأسس الوفاء فاقتبس من والده «متون» الانضباط والتمس من والدته عمق الارتباط فكبر وفي قلبه «معالم» النشأة الأولى التي شكَّلت شخصيته لتكون نبراس طريق فرشه بالوعود التي كان يبرمها قبل مبيته في حضرة عائلته مستلهماً من البدايات إشعاع الأثر ومن النهايات إبداع التأثير.
صال الهلال وجال طفلاً متأبطاً كشكوله الصغير الممتلئ بخطوط الأمنيات التي كانت «حسه الأول» وحظوظ البراءة التي ظلت «حدسه الأكمل» معلناً تباشير تفوق باكر عطَّر به مسامع أقاربه موجهاً بوصلة معارفه إلى العلم الشرعي الذي كان يقرأ عنه في جوامع «الرياض» ويستقرئ منه مكونات الوسطية ومدونات الاعتدال.
كان الهلال يراقب أرتال العسكريين وهم ينظِّمون السير باكراً في شوارع العليا والتحلية والروضة منجذباً إلى ذلك الرونق العسكري في «انضباط الضباط» وهم يحتفون بالتحايا ويحتفلون بالعطايا فاعتمرت وجدانه الرغبة وغمرت ذهنه الرهبة فوازن بينها ماضياً إلى حيث تخصص الشريعة الذي حصد فيه البكالوريوس تاركاً للتهذيب ومضته وللنصيب إمضاءته مرجحاً ميوله لاحقاً إلى الميادين الأمنية ليدخل دورة تأهيل الضباط الجامعيين التي تخرَّج منها ضابطاً لتسطع «النجمة الأولى» في فضاءات فكره الذي ملأه بالجد والجودة خلقاً وعملاً وشخصاً.
عمل الهلال ضابطاً ميدانياً، ثم تولى أقسام شرطتي العليا والسليمانية، ثم عمل في البحث والتحرِّي وبرز وأنجز حتى تمت ترقيته ليتولى إدارة دوريات الأمن بالرياض، وقد أدار العديد من حملات المداهمات وبتر أطراف الفكر الضال والتصدي للخلايا الإرهابية؛ ولعل أبرزها إشرافه المباشر وتخطيطه لعملية مقتل المطلوب عبدالعزيز المقرن عام 2004 ، وتم تعيينه مديراً لدوريات الأمن بالمملكة ثم مديراً لشرطة الرياض حتى تمت ترقيته لرتبة فريق وتعيينه مديراً للأمن العام في شهر رمضان عام 1438 ثم إعفاؤه من منصبه وتعيينه مستشاراً بوزارة الداخلية في شهر 4 العام الجاري 1440هـ.
تعرَّض الفريق الهلال لوعكة صحية أثناء عمله في أول أيام عيد الفطر المبارك بالحرم المكي العام قبل الماضي وقضى فترة من العلاج بالداخل وتم نقله إلى ألمانيا ووافته المنية الأربعاء الماضي وووري جثمانه ثرى الرياض التي طالما ارتبط باسمها وترابط بأماكنها كمدينة وسكينة في سنوات عمر كللها باعتزاز شخصي وإنجاز مشهود سيظل محفوراً في ذاكرة الوطن ومحافل المخلصين.
حول الهلال العمل الأمني إلى منهجية عالية من سيكولوجية الأداء في منظومة التعامل مع الأحداث والتعاطي مع الوقائع؛ فكان المحاضر وشاهد العيان والمحقِّق والمفكِّر الذي ينسب الفضل للغير في خصال «إيثار» وفضائل «تواضع» ومحاسن «سخاء» كانت سمات طاغية في تعامله المسجوع بمكارم «الأخلاق» المشفوع بشهادات «الاتفاق».
رحل الفريق سعود الهلال جسداً وظل حاضراً في السجلات والنتائج كشريك ومؤسس ومطور رسم في المشهد العسكري لوحات من المعاني وواحات من التفاني.. بكته العيون وكتبته المآثر وزكته الخواطر التي طالما جبرها بإنسانيته ومهنيته.
انتقل لجوار ربه بعد أن اكتمل عمله «بدراً» فنال المعالي في أسمى «متون» العمل الأمني ليبقى بطل أمن وعقل ميدان وأكاديمية «أمنية بشرية» ينهل من معينها السابقون واللاحقون.