عبدالعزيز السماري
من الأشياء التي يصعب تحديدها في العلوم العصبية النفسية، هو أين يقف الحد الطبيعي في شخصية الإنسان، ولماذا يبدو البعض في غاية الحكمة، وظهور موضوعية ورؤية ثاقبة أكثر من آخرين، ولماذا آخرون يظهرون مندفعين، وتبرز عندهم ظواهر الشك والانتقام والغدر، وقد قيل في التاريخ أحكم العرب، وقيل أوفاهم، وقيل أيضاً أول من غدر، وهكذا، ويعني ذلك أنهم كانوا يدركون ذلك التفاوت في شخصية الإنسان، لكن يا ترى ما الذي يحكم هذه الفروقات، ولماذا نختلف، وكيف نميز أو نفرق بينهم هذه الشخصيات ونمنعها من تدمير من حولها..!
الحكمة هي واحدة من تلك الصفات التي يصعب تعريفها - لأنها تشمل الكثير - لكن قد تبدو الصورة أكثر وضوحا في لحظات صنع القرار، وكيف تختلف من شخص إلى آخر، ويميل علماء النفس إلى الاتفاق على أن الحكمة تنطوي على تكامل المعرفة والخبرة والفهم العميق الذي يشتمل على التسامح مع أوجه عدم اليقين في كثير من شؤون الحياة، الاعتماد على خاصية التريث قبل الاندفاع في اتخاذ قرار خاطئ...
هناك قدرة ذاتية لها علاقة بوظائف الدماغ الأساسية، تدرك تطور الأمور بمرور الوقت، وتمنح الشعور بالتوازن، ويمكن اكتسابها فقط من خلال التجربة عند أولئك الذين يتمتعون بسلامة وظائف العقل، وقد بدأ الباحثون في النظر في العمليات الاجتماعية والعاطفية والإدراكية التي تنقل الخبرة إلى مركز الحكمة، ويشترك الحكماء في التفاؤل بأن مشاكل الحياة يمكن حلها وتجاوزها بقدر معين من الهدوء في مواجهة القرارات الصعبة، وقد يكون الذكاء - ضروريًا للحكمة، ولكنه بالتأكيد غير كافٍ..
التوازن عنصر أساسي في الحكمة، وعادة ما يتصرف الحكيمون نيابة عن الصالح العام، ولكن أيضا قد يضمنون تلبية احتياجاتهم الخاصة، ومن ثم السعي من أجل التناغم بين المطالب والأهداف، وقد يسعى الحكيم أيضا لفهم دوافع الآخرين، بدلا من مجرد الحكم على سلوكهم الظاهر، بالإضافة إلى تعزيز قدرة فهم الآخرين واحترامهم، وعادة ما توفر الحكمة الموضوعية في مسار الوصول إلى الهدف..
هناك العديد من الروابط الخفية بين القيادة والحكمة، وتم استكشافها من قبل عدد من الباحثين، فالقيادة مصطلح غامض نوعًا ما، كما هو الحال في الحكمة، لكنه ارتبط بالعديد من الصفات الإيجابية من أجل تمييزه عن غيره، والقيادة الحكيمة تجعل من الإبداع، والذكاء الناجح أدوات في مجال السعي إلى توازن المصالح المختلفة، من خلال التعامل مع البيئات المختلفة، والقائد الحكيم يصل إلى الهدف بفعالية من خلال نقاط قوة الآخرين في فريقه وليس فقط الاعتماد على رؤيته الذاتية..
في السنوات الأخيرة، حدثت زيادة ملحوظة في البحث النفسي حول موضوع الحكمة، وهو تطور قد يكون مرتبطًا بمصلحة عامة في ضرورة البحث عن سمات علم النفس الإيجابي وتأثيراته في عالم الإدارة والقيادة، بالإضافة إلى زيادة مستمرة في فهم الذات التي قد تظهر في أوقات تدميرية، وفي أوقات أخرى في غاية الحكمة، وبيت القصيد فيما حاولت أن أصل إليه، هو أن الخلفية النفسية السليمة للشخص تشكل البنية الأساس في شخصية الحكيم، فالكثير قد يملكون القدرة على إخفاء اضطرابات نفسية داخلية خلال السعي للوصول إلى أهدافهم، لكنهم عندما يصلون تظهر علامات الاضطراب، وتحدث الكارثة..