صيغة الشمري
بالرغم من كل ما تمتلكه بلادنا من آثار مادية مبهرة تكشف تاريخها على مر العصور والمواقع التاريخية والأثرية الفريدة التي تزين مناطقها والتي يندر أن تجتمع في مكان آخر، إلا أن كل هذا الموروث المادي النادر لا يزال أرضًا بكرًا سياحيًا، بعدما ظل ولسنوات طويلة غير مستغل لاعتبارات عدة، فقد ظلت السياحة الثقافية والتراثية لتعريف الآخر بما نمتلكه من آثار ومواقع تاريخية وأثرية صعبة في الماضي، وكان طرح هذه الأمور للنقاش يجد معوقات عدة، ولكن في ظل التغير الجذري الذي تشهده المملكة في الوقت الحالي على العديد من المستويات، فإن قطاع السياحة عاد ليستيقظ وينفض التراب عن كنوزه المخبأة التي طمرها النسيان، ويفتح ذراعيه أمام الجميع من كل بلدان العالم، بعدما قفز الوعي الجمعي لنا قفزات هائلة على طريق التطوير، وبتنا قادرين على التخيل والحلم، والمتأمل فيما نملكه من ثروات لله الحمد، سيكتشف أننا دولة غنية بتراثها المادي الاستثنائي، فنحن نملك أكثر من 6300 موقع تراثي وثقافي بطول البلاد وعرضها، بينها مواقع مرتبطة بالتاريخ الإسلامي لا يمكن أن تجدها في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي مترامي الأطراف، بخلاف مئات المتاحف العامة والخاصة التي باتت منتشرة في مختلف المناطق والتي تمتلك كنوزًا مذهلة لم تحظ حتى الآن بنصيبها من الترويج والتعريف. إن كل هذا الموروث المادي، كفيل بأن يجعل المملكة وجهة سياحية استثنائية، بل وواحدة من أكثر الوجهات السياحية زيارة في العالم، وهو ما سيقفز باقتصادنا إلى مراحل جديدة في ظل سعينا للتحول عن اقتصاد النفط وتنويع مصادر الدخل، ويبقى على باحثينا وعلمائنا أن يركزوا جهودهم خلال الفترة المقبلة للكشف عن أصالة هذا التراث المادي، وأن ينفضوا الغبار عن تاريخه وقيمته، وأن يعيدوا تقديمه للعالم لنغري الآخر بالقدوم إلينا والتعرف على ثقافتنا وموروثنا. فنحن في حاجة إلى حركة بحثية أثرية تراثية على مستوى عالٍ، نراعي فيها المعايير الأكاديمية العالمية وننظر من خلالها إلى تراثنا المادي نظرة مختلفة، نظرة تقدير واحترام، فلن يقدر الآخر موروثنا المادي ما لم نضعه في مكانته التي يستحق.