د. خيرية السقاف
يا لجنون البشر، والعبارة ذكرتني «بجنون البقر»، والمقاربة بينهما أن كليهما تطلقان على حالة الجنون العابثة بالطبيعة..
إذ لم يقتصر عبث المولعين بتغيير «طبيعة» ملامحهم على من تداهمهم الشيخوخة، ويكون لهم بعض تبرير عن إضافتهم مسحة من التحسين في ملامحهم المتغضنة، وآثار تغييرات العمر فيها، وإنما يحدث هذا بين صغار سن لا تبرير لهم، حين يذهبون للنحت، والقص، والنفخ، والتبييض، والتلميع، وما يلبثون أن يصابوا بآثار تغيير ما فطر عليه خلق الله فيهم، تبارك من شق السمع، والبصر، وأحسن صنعه، خير الخالقين..
ولقد لحق الجنون في هذا النحو بملاك الحيوانات، التي يمكِّنهم اقتناؤها من المشاركة في مهرجاناتها، والمزايدات على أثمانها، وآخرها «مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل» حيث تم اكتشاف من عبث بإبله ليضمن لها التقدم، ويحقق لها الالتفات، فذهب يحقنها بمواد التجميل، ظنا منه بأن بهذا العبث تكون أجمل، لكنه المصطنع ليس يرقى للطبيعي فيها..
إنني هنا لا أميل للكتابة عن المفارقة في ثقافة الناس نساء ورجالا عن فكرة «التجميل»، وثقافة» التغيير «في أشكالهم، وإنما اقتصر على جنون العبث الذي هيأته لهم صناعة هذه المواد، والاختصاص فيها، لهاثا وراء الإثراء الذي في نظري لا تبيحه الأخلاق، ولا النزاهة، ولا القيم، والسلوك الواعي، بل ولا الفكر حيث يشمل كل ذلك..
ولنا في المثل الدارج «رزق الهبل على المجانين» ما يفصل في هذا الشأن، ويشير إلى العلاقة بين المنتِج، والمستهلك، وبينهما ذلك الذي يقوم بالمهمة من الأطباء، والفنيين!!..
جنون نتطلع إليه وقد عمَّ، وكما نوجه أكثر من مرة لبعض من عبثوا بملامحهم حين نلقاهم عن صحة أسمائهم، الدالة على شخوصهم إن كانوا الذين كنا نعرفهم، وقد بدلتهم مشارط، وحقن، ومعاول!! التجميل العابثة، فقد أصبح السؤال يوجه حتى عن الحيوان الذي عبث به جنون الإنسان، وعبث منتجاته التجميلية..
والله إنه لقبح هذا الذي يحسبه الخاضع له جمالا، وإنه لفسق الذي يظنه الممارس له إثراءً، وإنها لحيرة بات يعيشها الإنسان غريبا في عالم عابث حد الجنون، حين لا يقف العبث بتفاصيل ملامح الفرد، وإنما بسلامة صحته، ومآله للأسقام، والقبح وهذه الأدواء قد انتشرت بين الناس جراء هذا المنتج المغري كل ذي فراغ!!..
فالطبيعة سرمدية في نواميسها، لا تتقدم، ولا تتأخر مهما عبث بها مجترئ!!..