مها محمد الشريف
منذ الستينات والسبعينات من هذا القرن احتد التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي من أجل إعداد برامج تهدف أساساً إلى تطوير تقنيات الفضاء وظهور التحولات التكنولوجية نفسها بالرغم من اتساع وتباعد المناطق، وهذا يدفعنا للقول إن تمكن الدولتين من التعامل مع المشكلات التي تنجم عن غزو الإنسان للفضاء مرتهنة بحجم التطور وعبقرية العقول، كما أنها أعدت برامج تهدف إلى استكشاف النظام الشمسي وكواكبه مثل برنامج مارينر الأمريكي لاستكشاف المريخ وفينيرا الروسي للهبوط على الزهرة، ويصبح تاريخ الإنسان علمياً ويستوعب سره معرفياً وشرعيًا وتاريخياً ويدخل أفق كل مشاريع الفضاء.
ما توصل إليه العالم من المعارف والعلوم تؤكد الاجتهادات، وارتباطها بالنظريات العلمية بوجه عام وبوظائفها الاجتماعية والسياسية، فقد حظي هذا الكون باهتمام البشر منذ آلاف السنين، ومكانة العقلانية العلمية المبدعة فيه، من خلال اكتشاف المفاهيم والقوانين التي تسمح بفهم ظواهر الطبيعة، والمبدأ الخلاق في العلم لبناء المعايير والنظريات العلمية ومنها علوم الفضاء.
فكل شيء يدعم إذن التفكير في كون العلماء توصلوا إلى معلومات جديدة عن الفضاء الخارجي وأسراره، وهو بالتأكيد أحد ملامح تطور عميق لأنظمة الأقمار الصناعية وإطلاق المركبات الفضائية.. وتطبيق المهام وتنظيمات هيئة الفضاء. وليس من شك في أن هذه الاتجاهات الكبيرة بعد الأمر الملكي بإنشاء الهيئة في أعقاب نجاح المملكة في إطلاق القمرين الصناعيين السعوديين، «سات 5A وسات 5B»، اللذين تم إطلاقهما صباح الجمعة، إلى مدارهما.
وقالت وكالة الأنباء السعودية، «إنه تم إنجاز القمرين بمشاركة أكثر من 120 سعوديًا مختصًا في مجال صناعة الأقمار الصناعية، وتم تصنيعهما وفقًا للمعايير العالمية في معامل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية».
ويفضي بنا هذا إلى تعزيز قوة الدول واعتمادها على نفسها في خدمة الاتصالات والاستخدامات الأخرى، بوصفها تجربة نموذجية يفسرها التاريخ تفسيرًا علميًا، فكل الشواهد تؤيد هذا التقدم الكبير لعلوم الفضاء بقيمتها الكبيرة، كما يعد استمرارًا في نهج المملكة الساعي إلى مجال رحلات الفضاء وإطلاق الأقمار الصناعية، وتنظيم المجال، والعمل على توطينه وتدريب الكوادر لتحقيق الأهداف المنشودة، حيث تشكلت على عناصر عدة، أهمها توطين وتطوير كثير من التقنيات المتقدمة ومنها تقنيات الأقمار الصناعية وبناء الكوادر الوطنية القادرة على التعامل مع هذه التقنيات وإنشاء البنى التحتية المتطورة، إذ انطلقا من «المدينة» فإنهما قد تضمنا التطوير ذاته والتصنيع للقمرين الصناعيين في معاملها بأيادٍ وطنية.
ومن ثمة فإن ناسا أكبر مثال في برنامج غزو الفضاء قاموا باجتذاب أحسن الطيارين في القوات الجوية أو القوات البحرية الأمريكية لتدريبهم على رحلات الفضاء، حتى تلائم الإطار الفكري الذي قدمته للعالم، وهو أمر مبهر له امتيازات أثبتت نتائجها في ميادين عدة، فقد كانوا يطورون أحدث المنتجات في مجال الطيران ويقومون باختبارها، وبالتالي نجحت الحضارة الغربية في هذه العلوم، بل تفوقت وحققت إنجازات ضخمة خدمت بلدانهم، وهي ثمرة جهود طويلة تقاسمت أهدفها وغاياتها.