د.عبدالله مناع
لأنها «الجزائر».. الذي يمثل تاريخها المعاصر أعظم صفحات الكفاح الجزائري العربي المشترك من أجل الحرية والاستقلال في خمسينات وستينات القرن الماضي.. عندما كان العرب عرباً...! ولأنها «الجزائر».. التي واجهت أصعب الظروف السياسية وأقساها على أبناء الجزائر.. عند محاولتها نقل السلطة فيها من «شرعية التحرير» وجهته مع (استقالة) الرئيس العقيد «الشاذلي بن جديد» في ختام دورته الرئاسية الثانية.. بالدعوة إلى انتخابات تشريعية تعددية ديموقراطية.. تمهيداً للانتقال إلى «شرعية التقرير».. حيث يقرر المواطنون الجزائريون عبر (نوابهم) الكيفية التي يديرون بها وطنهم «الجزائر:» الفرحين بـ(حريته) واستقلاله، وما صحب تلك (الانتخابات) التي فازت بدورتها الأولى «جبهة الإنقاذ».. من كوارث ودمار على (الوطن) الجزائري وإنسانه، لم يخرجهم منها إلا الرئيس «أمين زروال»، الذي جاء إلى الرئاسة عبر انتخابات حرة تحت إشراف دولي، ليدعو الجميع إلى نسيان الماضي وانتخابات «جبهة الإنقاذ» وما جرى فيها، والانخراط في انتخابات جديدة أفرزت أحد عشر حزباً، ليفوز سبعة منهم -بعد ذلك- بمقاعد البرلمان الجزائري، البالغ عددها ثلاثمائة وثمانين مقعداً.
لهذين «السببين» اللذين يبدوان وكأنهما متناقضان -بينما هما يصبان في مغزى واحد.. ومعنى واحد.. هو: «الخوف» أولا على ضياع ميراث عظيم.. خلقته في نفوس العرب جمعياً «الثورة الجزائرية».. أو ثورة المليون شهيد...!!.
وثانيها: «الخوف».. من تكرار ما أحدثته انتخابات عام 1991م عندما فازت «جبهة الإنقاذ» بـ(الديموقراطية) في دورتها الأولى.. من أن تنقض عليها في دورتها «الثانية».. وإلى الأبد!.
ولذلك.. فقد أطلت «المخاوف» جزائرياً.. بمثل ما أطلت «عربياً» مع إعلان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن تحديد موعد الثامن عشر من أبريل القادم لاجراء الانتخابات الرئاسية.. ليقطع دابر التخرصات التي يرددها بعض الساسة والإعلاميين عن تأجيلها ربما إلى «الأبد»!!.. نظراً لمرض الرئيس وتوعك صحته وتواضع قدراته البدنية التي لم تعد تخفى على أحد...!.
* * *
فقد أنهت الرئاسة الجزائرية صباح يوم السبت التاسع عشر من يناير الماضي.. الجدل الدائر حول موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.. بأنها ستكون في الثامن عشر من شهر أبريل المقبل، وإنها رفعت مرسوماً بذلك إلى «الهيئة الناخبة».! إلا أن «الغموض» -كما أشارت الصحافة الجزائرية- ما زال يكتنف موقف الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.. البالغ من العمر واحداً وثمانين عاماً، والذي تولى مقاليد السلطة فيها منذ عام 1999م.. ولأربع دورات رئاسية متصلة.. فيما إذا كان سيرشح نفسه لدورة خامسة أم لا...؟!.. وقد أفاد البيان الرئاسي بـ(أن المرسوم الرئاسي.. كان طبقاً للمادة 136 من القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات)، ليعلن وزير الداخلية الجزائري «نور الدين البدوي» من جانبه: (أن الإدارة جاهزة لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة.. بتحضير كل الإمكانات البشرية والمادية والآلية).. إلا أنه تحفظ في تعقيبه قائلاً: (إلا أنه خلافاً للانتخابات السابقة، والتي كان يملك فيها النظام مرشحاً واحداً متفق عليه من قبل الجميع وهو عبدالعزيز بوتفليقة، وأن الحسابات تغيرت هذه المرة، إذ إنه لم تبرز على الساحة السياسية شخصية سياسية توافقية)!!,.
وللحقيقة.. فإن الرئيس بوتفليقة خدمته -دون شك- خبراته الطويلة المتراكمة.. في إدارة البلاد طوال العشرين سنة الماضية، فهو بداية «ابن الثورة الجزائرية» وقد حملته ثقافته القانونية.. إلى الصف الأول من رجالاتها ورموزها.. من أمثال: عباس فرحات وأحمد بن بيللا وايت أحمد، ليصبح وزيراً للشباب في أول حكومات الاستقلال الجزائري التي رأسها الزعيم الراحل التاريخي «أحمد بن بيللا».. بعد تشكيلها في أعقاب (الاستفتاء) حول تقرير المصير بين الجزائريين الذي دعت له (محادثات إيفيان) في ختامها عام 1961م، والذي اختار فيه الجزائريون.. «الاستقلال» على البقاء تحت الحكم الفرنسي، والذي رحب بنتائجه زعيم فرنسا الأعظم: الرئيس شارل ديجول.. وهو يقول قولته الرائعة: (ثمة ميثاق عريق بين عظمة فرنسا.. وحرية الآخرين)!.. ليُرفع بعدها العلم الجزائري فوق سارية مبنى الأمم المتحدة في الخامس من شهر يوليه من عام 1962م.. ولتنطلق الأفراح الجزائرية والعربية في كل أرجاء الوطن العربي، وليقول صديقه «أندرية مارلو»: (حين قرر قبول استقلال الجزائر.. يومها فضل روح فرنسا على كل الباقي)!؟، لينتقل بوتفليقة إلى وزارة الخارجية التي أدارها طوال سنوات «هواري بومدين»..
وعندما انتهت أزمة «جبهة الإنقاذ» في ختام تسعينات القرن الماضي.. بعد رئاسة زروال.. تم ترشيحه ليكون رئيساً للجمهورية عام 1999م، ليتوصل التجديد له إلى أن أعلن مؤخراً مرسومه في التاسع عشر من يناير الماضي.. بتحديد الثامن عشر من أبريل المقبل.. موعداً لإجرائها.
* * *
فمن هو المرشح الخلف لـ«بوتفليقة»؟.. وقد لاح من «سيناريو» دعوته لإجرائها في أبريل المقبل.. أنه يعنى ضمناً عدم رغبته في التجديد لولاية «خامسة»...!! وأحسب أنه ينتصر بهذا لـ(تاريخه) ولـ(محبة) الجزائريين له.
إن أول المرشحين المحتملين لـ(خلافته).. هو: رئيس وزرائه أو الوزير الأول «أحمد أو يحيى»، الذي شغل هذا المنصب عدة مرات.. بل وشغل منصب مدير ديوان (بوتفليقة).. مرات مثلها.. إلا أنه لم يرشح نفسه لخلافة «بوتفليقة».. رغم أن رئيس مجلس النواب الجزائري «عبدالعزيز زيادي».. قدم عنه (شهادة) تساوى ثقلها ذهباً كما يقولون.. عندما قال: (إن «أحمد أو يحيى» يملك جميع المواصفات لخلافة «بوتفليقة»، وهو رجل دولة قادر على مواجهة التحديات)، إلا أنه كان لوزير الداخلية الجزائرية «نور الدين البدوي» رأي آخر؟! فمع إشارته (إلى المناصب التي تولاها -أو يحيى- في رئاسة «بوتفليقة».. إلا أنه لا يحظى بتوافق الجميع عليه)!!.. بينما قدم رئيس مجلس النواب الجزائري «عبدالعزيز زيادي» تلك «الشهادة» التي أشرنا إليها؛ وهو أحد المرشحين المحتملين لخلافة «بوتفليقة».. إلا أنه لم يرشح نفسه بعد...؟ ليبقى باب الترشح لخلافة «بوتفليقة» مفتوحاً لكلا الزعامتين وربما لوزير الداخلية نفسه.. أو لأيّ زعامة سياسية تدفع بها رئاسات الأحد عشر حزباً، فلن يعدم الجزائر وجود زعامات من أمثال زعمائها التاريخيين: «بن بيللا» و«فرحات» و«ابت أحمد».. أو (اللاحقين) من أمثال زوروال و«بن جديد» و«بوتفليقة» نفسه.
* * *
فالذي بهم الجزائريون والعرب جميعاً في النهاية، هو أن يخلو «معمعان» التنافس والسباق.. لـ«رئاسة» الجزائر.. من التناحر والعنف.. ليكون ربيع انتخاباتها المقبل.. ربيعاً للحرية، تحظى فيه بـ(رئاسة) تليق بها وبتاريخها الناصع مع النضال والحرية.