د. حمزة السالم
جاء روزفلت لسدة الرئاسة والبلاد في حالة اكتئاب شديد مصحوب باليأس من الاقتصاد. فما كانت البلاد في حاجة إليه حقا، هو رئيس غير قابل للاكتئاب، وفرانكلين روزفلت لم يكن قابلا للاكتئاب رغم أنه كان وحيدا منطويا على نفسه بمشاعره وأموره.
فمثلا في بداية رئاسته، عندما أفلست ملايين الحسابات، قام روزفلت فأعلن عطلة وطنية للبنوك، لا كما فعل الرئيس السابق، هوفر، الذي أعلن «تعليق النشاط البنكي».
وفي يوم الأحد خاطب روزفلت الشعب الأمريكي عبر المذياع. كان حديثا خارجا على سجيته. فشرح عمل البنوك، ثم طلب من الأمريكان، الثقة بأمريكا، فيخرجوا الأموال من تحت الأسرة ويودعوها في البنوك. وفي 14 دقيقة، استطاع روزفلت تغيير التصورات والآراء، حين ازدحم الناس يوم الاثنين على البنوك لإعادة إيداع أموالهم، والتي تزاحموا من قبل على السبق بسحبها من البنوك. «فأنقذ الرأسمالية في ثمان أيام» أو كما قيل.
وقام بدعوة رجال الأعمال لرفع الأجور والمحافظة على مستوى الأسعار فأطاعه الغالبية منهم.
ولم يخل بيت أو مكتب من صورة للرئيس المشلول، فقد دخل روزفلت وزوجته مع الناس، حتى صار الشعب يراسلونهما بكل مشاكلهم، وكانوا يتلقون بحدود 8000 رسالة يوميا.
وقد كان يذهب للناس، وأينما ذهب، يسأل الناس هل هم الآن أفضل حالا عندما بدأ الرئاسة أم لا، والجميع يوافق ويشكر.
فظهرت وحدة البلاد، بشكل لم تعرفه أمريكا من قبل، غير الحرب العالمية الأولى.
ومثلا آخر، أنك تسمع روايات كثيرة من أناس كثر، عن مصافحة روزفلت لهم قياما. وهذا غير صحيح، فروزفلت لا يستطيع القيام، ولم يقم قط لمصافحة أحد. اللهم أن بشاشته ومداعبته وابتسامته للمُصافح، تخيل البعض أنه قام لهم مصافحا.
ومثال آخر من آخر حياته. ففي ترشيحه الرابع للرئاسة 1944 كان عليه أن يقنع البلاد أنه ما زال أهلا للرئاسة، بعد أن تواترت خطورة حالته الصحية. فقام في خطبته الترشيحية الأولى، فما زاد فيها عن التنكيت وإضحاك الجمهور. فمما قاله: «الجمهوريون لم يكتفوا بالهجوم علي وعلى زوجتي وعلى أبنائي وعلى عائلتي، بل وصلوا لكلبي الصغير فالا! فقال: أنا وأهلي وعائلتي لا نهتم بما يتقولون عنا. لكن كلبي فالا، لا، فكما تعلمون أن فالا أسكتلندي، لذا اشتاط غضبا، لسماعهم يقولون إني نسيته في الجزيرة، وأرجعت بارجة لجلبه».
نجح روزفلت لأنه كان سيد الإنجاز بلا منازع، فهو يدرك الإنجاز مفهوما وتطبيقا وممارسة. وديمومة نجاحات روزفلت وبقائها لليوم كأساسات أركان الحضارة المدنية الحديثة، سببه أن روزفلت كان يؤمن بأنه أفضل للجميع، عندما يتحسن حال الجميع، حتى أنه كان يخطط للقدوم للشرق الأوسط، ليريهم كيف يصنعون من صحرائهم القاحلة جنات خضراء. وسياسة «أنه أفضل للجميع، عندما يتحسن حال الجميع» أصبحت هي السياسة الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع الحلفاء والجيران والأصدقاء ومع من رضى بهم من شتى دول العالم.
وكما حدث لروزفلت الأول من قبل، فقد تعرض فرانكلين روزفلت -أثناء حملته الانتخابية- لمحاولة للاغتيال بخمس طلقات، قام بها خبل يكره السياسيين والأثرياء. وأثناء المحاولة أو بعدها، لم يطرق لروزفلت جفن، ورفض الاختباء والابتعاد. فما زاد على أن قال «هذه أشياء متوقعة»، وعاد لنشاطه. هذه الصفة الفطرية من الهدوء أمام المفاجئات والصدمات، ظهرت بجلاء، مع صدمة الهجوم الياباني على بيل هاربر، وما تبع ذلك من مفاجئات.