د. أحمد الفراج
للمرة الأولى. منذ زمن طويل، أشاهد خطاب حالة الاتحاد، ولا يعنيني ما سيقوله الرئيس، بقدر حرصي على قراءة الوجوه وردود الأفعال، في ظل انقسام خطر وغير مسبوق، تشهده الولايات المتحدة، التي لها تاريخ طويل في الانقسامات، سواء العرقية بين البيض والسود، أو الأيدولوجية بين المحافظين والليبراليين، أو الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء، وعلينا أن نتذكر أن هذه هي ذات الدولة، التي خاضت حربا أهلية شرسة، في منتصف القرن قبل الماضي، مات فيها خلق كثير، بسبب رفض ولايات الجنوب تحرير الرقيق، وهي ذات الدولة، التي شهدت أحداث جسام، في منتصف القرن الماضي، لم تتوقف حتى تم إقرار قانون الحقوق المدنية للمساواة بين السود والبيض، وهو القانون، الذي كان يفترض أن يقرّه الرئيس كينيدي، لولا أن تم اغتياله، فأقرّه خلفه ليندون جانسون.
جاء خطاب الاتحاد قبل أيام، وسط غضب شديد من الرئيس، الذي يعتقد أن خصومه لا يمكن أن يقبلوا منه أي شيء، وغضب أشد من الديمقراطيين، خصوصا اليسار الديمقراطي، الذي يحسب الثواني للخلاص من فترة رئاسة ترمب، فالبَوْن شاسع ومهول، بين أيدولوجية ترمب اليمينية، وأيدولوجية اليسار، وكان لافتا أن زعيمة الديمقراطيين، ورئيسة مجلس النواب حاليا، نانسي بيلوسي، والتي يجبرها البروتوكول على الجلوس خلف الرئيس مع نائبه، أثناء الخطاب، لم تستطع حتى التظاهر بالحد الأدنى من اللباقة، أثناء خطاب ترمب، وهذا السلوك من بيلوسي أمر في منتهى الغرابة، فهي حاذقة ودبلوماسية محترفة، ولكن يبدو أن خلافاتها مع ترمب أكبر من أن تخفي امتعاضها، حتى أمام الكاميرات، وعشرات الملايين من المشاهدين.
ومع ذلك فلا يمكن إلقاء اللوم على الديمقراطيين وزعيمتهم بيلوسي، فترمب استفزهم بالإصرار على بناء الجدار، ومن ثم عطّل الحكومة، وقد فعل ذلك من باب افتعال الأحداث، وشحذ همة جمهوره الضخم، الذي كان قد وعده ببناء الجدار، إذ علينا أن نتذكر عباراته أثناء حملته الانتخابية عن: «المهاجرين من خريجي السجون ومدمني المخدرات»، كما أنه لا يتوقف عن الهجوم على الزعامات الديمقراطية، خصوصا تشيك تشومر، وهذا لا يتواءم مع رغبته في التقارب مع خصومه كما يقول دوما، وبالتالي فإننا أمام حالة انقسام كبرى، بين رئيس يزعم أن الديمقراطيين يعرقلون مشاريعه، وبين خصومه الديمقراطيين، الذي يعتقدون أنه غير واقعي ولا عقلاني، وأن مشاريعه لا تخدم الولايات المتحدة، بل تخدم جمهوره المتطرف وحسب، والمؤكد هو أن حالة الانقسام في أمريكا وصلت مراحل غير مسبوقة، وتنذر بخطر شديد، وسنواصل الحديث.