قديمًا كنا نتابع الصحف يوميًا، ونحرص كثيرًا على متابعة المجلة الثقافية التي كانت جزءًا منها وتمثل لنا نافذة صغيرة تطل على العالم لمعرفة الأخبار والأحداث الفنية والثقافية المستجدة من حولنا، في ظل عدم وجود أي وسائل تواصل أخرى نستسقي منها الأخبار- كما هو الحال الآن بوجود قنوات إلكترونية متعددة جعلت من العالم قريةً صغيرةً - كما أنها كانت بالنسبة لنا الوسيلة للحصول على المعلومات الفنية والثقافية، وتوفر لنا بعض العناصر التي تمكننا من الحكم على بعض المواضيع والوصول إلى فكر ثقافي معين بشأنها.
فأخبار المجتمع المحلي وأحداثه الثقافية من أدب وشعر ومسرح ومعارض فن تشكيلي من الضروريات التي كنا نحتاجها كأفراد في المجتمع السعودي.
فالصحافة الثقافية تجذب أعداداً كبيرة من القراء، حيث توفر لهم المعلومات الميسرة عن حدث ثقافي ما كأحدث الكتب وأشهرها وأفضل المعارض التشكيلية وانطباعات الحضور عنها، وتنشر الأنشطة الثقافية التي تستضيفها المراكز الثقافية المختلفة فتوفر علينا مجهود البحث أو السؤال.
ولهذا أرى أن من حقوق الصحافة وخصوصًا المجلة الثقافية حرية التعبير وإبداء الرأي التي هي من أهم الحقوق للمواطن، والتي تعتبر الصحافة أهم تجسداتها. ولهذا يفضل عدم خضوعها للرقابة الصارمة أو فرض تراخيص مكلفة عليها أو ضرائب، وأن يتمكن رؤساء التحرير من صلاحية تقرير سياسة الصحيفة، وكذلك الحق في التحقيق والحصول بسهولة على المعلومات من المؤسسات الحكومية، وأيضًا حرية نشر هذه المعلومات والآراء حتى تتحقق الأهمية المرجوة منها.
كما أن حرية الصحافة تلزمها حماية خاصة من الدولة حتى تتمكن من أداء وظائفها، فهي تلعب دور الحارس العام للثقافة والآداب، ولها دور مهم في تقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام.
على أن هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات، لذا من المهم إخضاعها لشروط وقيود أو عقوبات قانونية إذا تجاوزت حدودها وأثرت على الأمن العام وأخلت في حفظ النظام وحماية الصحة والآداب واحترام حقوق الآخرين، وحثت على الفساد. لهذا من المفترض أن تهتم المجلة الثقافية بكل ما له علاقة بالثقافة في العالم من العادات والتقاليد والدين وكل ما يكتسبه الإنسان من معارف في حياته، حتى وإن كان الصحفي يتناول أحداثًا قد يراها البعض لا علاقة لها بالثقافة، مثل الكرة والصناعة أو فنون الطبخ والصحة، فالصحافة الثقافية ترتبط مع كل الأنساق الأخرى. وعلى المجلة الثقافية أن تستقطب الصحفي الذي يتفاعل مع الخبر ويمنحه وقته، فالمسألة غير مقتصرة على سرد الخبر أو تقديم تقرير أو إجراء حوار، فهو يحتاج تركيزه بالكامل لمتابعة كل ما له علاقة بالثقافة، من سينما ومسرح وأدب وفنون بصرية وأدائية وتكنولوجيا المعلومات وتراث لإبداء رؤيته الخاصة حولها بربط العناصر ببعضها وتحليلها بشكل مناسب يليق بعقلية القارئ، كما أن عليه الابتعاد عن قضايا التشهير التي تمسّ كرامة الأشخاص باستثناء تلك التي تتعلق بالفساد والتي تُلحق الضرر بأمن الوطن، مع الالتزام بالدّقة في المعلومة وكشف المصادر إن لم يكن هناك أيّ مانع أو سبب صريح للكشف عنها. فلذلك يجب توافر عنصر الصدق والموضوعية في نشاط الصحيفة كله، لأن حق الصحافة في النشر يقابله حق الجمهور في معرفة الحقائق كاملة وعدم التعدّي على حق القراء في الحصول على الأخبار المُستجدّة, واحترام عادات وتقاليد المجتمع، إضافةً إلى القيم والعقائد المُتّبعة وعدم محاولة إثارة المسائل العاطفية أو العنصرية وتأليب المجتمع على قرارات حكومية أو على بعضه البعض. وعلى الصحافة الثقافية منح الصحفي قدرًا عاليًا من الحرية ليتسنى له التفكير بشكل جيد والإبداع فيما يُنتج، لنرى مجلة ثقافية راقية المستوى تليق بدولة سعودية معاصرة تتماشى مع رؤيتها لعام 2030......
** **
- هناء الشبلي