رمضان جريدي العنزي
إن العناية الفائقة بالناس، تفقدهم، مساعدتهم والمشي في قضاء حوائجهم، بالكلمة الطيبة، والفعل الحسن، وخاصة الفقراء والمعوزين، الذين يصطلون بنار الفاقة والحرمان، والأخذ بهم نحو مدارات البياض، تعد من أكبر القيم العليا، والتألق الإنساني والشموخ. إن الذي يعشق الإيثار، ويقدم ما يملك بقدر الاستطاعة، من أجل العون والمساعدة، يشبه الغصن اليانع من الروضة الخضراء، والذهب والفضة، معدناً وثمناً. إن التفكير بالمحرومين والبائسين، والتخفيف من وطأة معاناتهم يعد عبادة لله وتقرباً له، وهي مظهر لعمق الإيمان في القلب، الذي يزور الناس ويتفقد أحوالهم وينعش فيهم الحياة ويضخ في محياهم الابتسامة يعني أن لديه لون إنساني مغاير، قال عليه الصلاة والسلام: «إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء طفل فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمتي» وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى». إن العناية بالناس يذيب الجليد، وينشر الارتياح، ويبلسم الجراح. إن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان مثل نقطة الارتكاز في دائرة المجتمع، بل هي المحيط والقطر والمساحة. إن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيداً عن العداوة والبغضاء، والحسد والتحاسد. إن العلاقة الإنسانية يجب أن تكون متوازنة، دون إفراط أو تفريط، كما قال سُقْراط عندما سأله تلاميذه عن سبب المشاكل التي بين الناس، قال: «القرب الشديد أو البُعد الشديد، قيل: وما الحلُّ؟ قال: الاعتدال في ملامسة الناس»، وجاء: «أحبب حبيبك هونًا ما، ربما يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما»، وصدق الله العلي العظيم إذ وضَّح ذلك من قبل ومن بعد بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}. إن المودة والتآلف والتراحم أساسيات ثابتة لمجتمع قويم، يعمل بها صاحب الوازع الديني، والضمير الحي. إن العلاقات الإنسانية الجمعية الطيبة، يجب ألا تهزمها الأنانية الضيقة المفرطة، فلا يأكل الإنسان التراث أكلاً لَمًّا، ولا يحب المال حبًّا جمًّا، بل على الإنسان أن يكون صالحاً في أعماله، مستقيماً في علاقاته الاجتماعية، محسناً للناس، عليه أن يكون من عباد الرحمن الذي ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشرى، سمحًا إذا اقتضى». إن الدنيا ظل زائل، والحياة الدنيا مجرد متاع منتهي. إن الشراكة الإنسانية ثمار يانعة لا يقطفها سوى الإنسان المحظوظ، الذي يبتغي وجه الله، وثواب الآخرة، والجنة الخالدة، النبي صلى الله عليه وسلم ربط ربطاً محكماً بين الأخوة الإنسانية وبين الإيمان وجعلها من مقوماته، حيث قال عليه أفضل الصلاة وأتم السلام «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، لقد طبق الإسلام هذا الإخاء الرفيع، وأقام على أساسه مجتمعاً ربانياً فريداً اضمحلت فيه فوارق الجنس والعرق واللون والطبقية، ما أجمل الإنسان الذي يعيش بين الناس ويتفاعل معهم، ويشغل نفسه بهمومهم وقضاياهم، يأنس لفرحهم، ويغتم لألمهم، ويشاركهم الأشياء كلها بلا زيف ولا نفاق ولا خداع.