علي الخزيم
هي الشفاء بنت عبد الله القرشية؛ قاضية الحسبة بسوق المدينة المنورة زمن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعُدَّت نموذجاً للمرأة العارفة المتعلّمة وتمتلك الشخصية القيادية، كما اشتهرت بدورها المؤثِّر بدولة الإسلام منذ بداياتها قبل الهجرة وبعدها، ولم تشتهر -رضي الله عنها- بحسبها ونسبها رغم المكانة الكبيرة لها وزوجها وأمها بنت أخت جدة النبي محمد عليه الصلاة والسلام لأبيه، وقائل العبارة المشهورة -التي تُمثِّل العنوان أعلاه- هو الفاروق عمر، حينما انتبه لدقة وعدل الشفاء وهي تعمل بسوق المدينة تراقب التجار وتكافح الغش والفساد وتحكم بين من اختلفوا حول بضاعة أو سعرها، فدخل ذات يوم السوق وإذا بها تَنْهر أحد الباعة لعرضة بضاعة ليست بالنقيّة، وأمرت الفتاة المشترية برد بضاعته واسترجاع نقودها، فسمع عمر تحاورهما وابتسم معبِّراً عن رضاه لطريقتها وحكمها العادل وعقلها الراجح ومنطقها السليم، فقال: (نُقِرّ ما أقَرَّته الشفاء)!
عمر العبقري بمكانته وعلو شأنه لم يعترض على عمل المرأة، بل أقرَّ حكمها وطريقتها، كانت قاضية ومحتسبة بسوق مختلط فيه كل الأعمار من الجنسين ولم يشكك أحد بها وصاحباتها من البائعات والمتسوِّقات ولم يتحلَّق عليهن غِرٌّ أو مراهق ونصف متعلِّم بدعوى حماية الفضيلة، هُن الفضيلة المنشودة وتُكتسب منهن ويُعلِّمْنَها الآخرين، وكذلك - بفضل الله - فتيات بلادي فيهن الخير وبهن الثقة ويتحلَّين بالفضيلة والشرف، ويقدِّمن الدروس والمواقف الكريمة بهذا الشأن، وإن حدثت حالات فردية فهي غير مرغوبة ويقف ضدها المجتمع ويسعى لتصحيحها، ومن أصرَّ على الخطأ فالشرع لديه العلاج والدولة عضيد الشرع وأداته التنفيذية ولا تقبل الخلل والفوضى بدعوى التحرّر والتحضّر، ولنا بالشفاء وأخواتها القدوة الحسنة؛ فقد حازت لقب (أول معلِّمة بالإسلام) فكانت من القلائل الذين تعلّموا القراءة والكتابة وتولّت مهمة تعليم نساء المسلمين، ومن أحفادهن بالمملكة من بَلَغن بفضل الله شأواً بعيداً بكل مجال علمي وحضاري متقدِّم.
ومن أعلام النساء بالإسلام الصحابية أم حرام بنت ملحان أول شهيدة ركبت البحر فكانت تتسم بالشجاعة وساهمت بفاعلية بنشر الدعوة للإسلام، كما اتصفت -رضي الله عنها- بالعلم والفقه ورجاحة العقل، واقرأ عن أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية، سألت رسول الله يوماً: (ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن في شيء)! فاستجاب الله لها، ونزل الوحي بآيات كريمة تؤكد مكانة المرأة في الإسلام، وتحديداً الآية 35 سورة الأحزاب، وإلى جانب دورها البطولي بالمعارك وشرف الدفاع عن رسول الله كانت تقوم بواجبها الإنساني بتمريض المجاهدين فغيَّرت القاعدة التي تقول: إن الحرب والجهاد شأن من شؤون الرجال وأكدت بعملها أن ساحة الجهاد والكفاح الوطني تتسع للرجال والنساء ممن يحملون المشاعر الوطنية الصادقة.
المرأة السعودية وبما يتوفر لها الآن من تمكين وإمكانات سجَّلت تفوقاً و(فلاحاً) وهو فوق النجاح بمجالات علمية حضارية متقدِّمة والآمال معقودة عليها بعون الله لما هو أفضل، فلنكن معها عضداً وسنداً.